الأخبار البارزةالعالم العربي

23 عاماً على التحرير.. “جرح الوعي” يزداد عمقاً داخل “إسرائيل”

قرار الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000، وتداعياته على صورة “إسرائيل” وقوتها وردعها، لا يزال مدار

نقاش كبير بين النخب الاسرائيلية على اختلافها. ويطول الحديث فيما بينهم بشأن صوابية مبدأ الانسحاب من “المستنقع

اللبناني”، لا سيما وأن طريقة الانسحاب وصورته والتخبط في إدارته، حولت الانسحاب إلى هزيمة عسكرية وسياسية ومعنوية كاملة لكيان الاحتلال.

يومها أثارت مشاهد انسحاب “جيش” الاحتلال الإسرائيلي ليلاً وبسرعة، بالتزامن مع احتفالات جنوده بالانسحاب، غضباً

وانتقاداً واسعين في الأوساط الإسرائيلية، من مواطنين وإعلاميين وسياسيين. ومما زاد الأمور تعقيداً لديهم، هي أنّ

هذا الانسحاب تزامن مع زحفٍ شعبي لبناني منظم، وتقدمٍ لتشكيلات من حزب الله لتحرير المواقع والتحصينات في الجنوب.

المؤيدون لقرار الانسحاب في “إسرائيل” داخل الكيان، يعتبرون أن بقاء الاحتلال في جنوب لبنان منذ ثمانينيات القرن

الماضي، كان خطأً من أساسه، خاصةً أنه أدّى الى استنزاف “الجيش” الاسرائيلي، دون أن ينجح حتى في حماية المستوطنات شمال فلسطين المحتلة. 

وفي عام 1999، كان الانسحاب عنواناً انتخابياً لإيهود باراك، خلال حملته الانتخابية لرئاسة الحكومة، ووعد حينها بأنه إذا

ما فاز بالانتخابات، سيسحب “الجيش” الإسرائيلي من لبنان حالاً، ويوفر القتلى والخسائر على “المجتمع الإسرائيلي”.

اقرأ المزيد: إصابات بالرصاص خلال اقتحام قوات الاحتلال مخيم عقبة جبر جنوب أريحا

هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع نشاط حركات اجتماعية في ذات “المجتمع”، والتي لعبت دوراً جماهيرياً وإعلامياً كبيراً في هذا السياق، على رأسها “حركة الأمهات الأربع” التي طالبت، بإعادة أبناءها من الجنود الأسرى لدى المقاومة.

وفي مقالة له عام 2004، عن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وتأثيرها على العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري، حذّر باراك المستوى السياسي في “إسرائيل”، من تكليف “الجيش” بمهام غير قابلة للتنفيذ”، في إشارة إلى الواقع الصعب الذي أدخلت فيه المقاومة جيش الاحتلال.

ورغم ذلك، ينفي باراك بأنّ “إسرائيل”، انسحبت تحت الضغط، لكنه يعقب، ليبرر بأنّ الانسحاب قد تم “بشكله الذي حدث، بهدف عدم تمكين حزب الله من ممارسة  ضغط موضعي محدد الأهداف”، وأنه لم يعد من الجدوى البقاء مع العدد الكبير من القتلى الذي تكبدوه هناك. 

في المقابل تعتبر الآراء المعارضة، الانسحابَ بالطريقة التي تم بها، هو أشبه بـ “الهروب الكبير”، وأظهر “إسرائيل”، وفقهم، خائنةً لعملائها.

هذه الآراء تربط بين الانسحاب، وبين قيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بعد أشهر قليلة من التحرير، والتي تصاعد

معها المقاومة في قطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة، عبر تفجير العبوات الناسفة بالدبابات الإسرائيلية، وإطلاق الصواريخ. 

جُرحُ الوعي الذي أصاب ضباط الاحتلال عام 2000، نتيجة خروجهم المذل، نكأه مشهد انسحاب الجيش الأميركي المذل من أفغانستان عام 2021، تاركاً وراءه الآلاف من العملاء، يتساقط بعضهم من هيكل الطائرة الخارجي، بعد أن تُرِكوا لمواجهة مصيرهم. شأن هؤلاء، شأن نظرائهم من العملاء في الجنوب اللبناني أو في العاصمة الفيتنامية آنذاك، سايغون.

وهذا المشهد، الذي علق بالذاكرة، علّق عليه عدد من الضباط والإعلاميين الإسرائيليين، بأنه -وما يخلّفه من أثر في وعي شعوب الشرق الأوسط-، هو خروج من واقع معقد إلى واقع آخر أكثر تعقيداً. 

غداة الانسحاب، كتب زئيف شيف، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” تحليلاً بعنوان: “الانسحاب لا يشكل نهاية لهذا الصراع”، وقال فيه “إن قناعة قد تولدت لدى القيادة العسكرية بأن عودة حزب الله لمزاولة نشاطه في الجنوب اللبناني ضد “إسرائيل” ليست أكثر من مسألة وقت، وأن حزب الله سيواصل عملياته ضدنا تحت أية ذريعة ممكنة”.

اقرأ المزيد: رئيس المجلس السياسي لحزب الله: “إسرائيل” تشعر بالقلق على مستقبلها

ثمّ اختتم مقاله، بالقول أنّ على الشارع الإسرائيلي أن يدرك أن الانسحاب من لبنان “لا يعني بالضرورة نهاية كل المصاعب التي كان الإسرائيليون يواجهونها على حدودهم الشمالية”.

 النقاش حول صوابية مبدأ الانسحاب، امتد ليطال جدوى الانسحاب، بعد أكثر من عقدين على حصوله.

وعليه، اعتبر طيف واسع من كبار الضباط والخبراء داخل الكيان، أن الانسحاب وفّر على “إسرائيل” مزيداً من الغرق في

الوحل اللبناني، وجنّبها خسائر بشرية لا طاقة لها على تحملها، في ضوء التغيُّرات التي طرأت على أكثر من مستوى، ولا سيما تطور قدرات حزب الله بصورة هائلة.

لكن آخرين، رأوا أن “الخلل” وفق  وصفهم، الذي أصاب توازن الردع بين حزب الله، ومن خلفه فصائل المقاومة من جهة،

وبين “إسرائيل” من جهة أخرى، ناشئ بشكل أساسي، من الانسحاب المذل من لبنان.

كذلك، اعتبروا أن موازين القوى الحالية بين “إسرائيل” وأعدائها، والخيبات المتعددة التي حصدها “الجيش” الإسرائيلي

في كل الحروب والجولات القتالية، التي حصلت مقابل لبنان وقطاع غزة بعد العام 2000، ما كانت لتحصل لولا

الانسحاب من لبنان بالطريقة والظروف التي رافقته.

رئيس الأركان الأسبق للجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، علق على الوضع في فترة ما بعد حرب لبنان 2006، وقال بأن 

يجب على “إسرائيل”، أن تسجل على أعدائها “نصراً لا يقبل التأويل ولا لبس فيه، بحيث يكون مفهوماً للجميع من انتصر

ومن انهزم”. ويضيف: “لأن الشرق الأوسط لا يحب المترددين ولا يرحم المشفقين، ويقدّر فقط المنتصرين”.

ولعل مقولة أشكنازي تتردد في أذهان القادة العسكريين والسياسيين في “إسرائيل”، عند كل جولة مواجهة محتملة

أو فعلية مع المقاومة، لتذكرهم بأن قدرتهم على الحسم أضحت شيئاً من حكايا الماضي. 

أياً يكن النقاش ومساحات التباين في كيان الاحتلال، على خلفية الانسحاب من لبنان، إلا أنه ثمة معادلة يتفق عليها

الجميع هناك، وهي أن “إسرائيل” بعد الانسحاب من لبنان، أضعف مما كانت قبله، وأنّه بعد 23 عاماً على فرارها منه،

لا يزال لبنان الهاجس الذي يقض مضجعها. 

المصدر: الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى