هل نتعلّم من التاريخ واللحظة الرّاهنة
د. محمد البحيصي رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية
عبر التاريخ، كان المستكبرون ضعفاء لا لضعف في إمكاناتهم وقدرتهم، ولكن لجهة أنّهم يقفون في صف الباطل، وكان المستضعفون أقوياء لا لقوة في معطياتهم المادية، ولكن لجهة أنّهم يقفون مع الحق، وطوال التاريخ حاول المستكبرون التصرّف في هذه المعادلة ويبذلوا ما في وسعهم لصرف المستضعفين عن حقّهم لأجل سلبهم عنصر القوّة الذي يفتقر إليه المستكبرون، وفي كل مرّة كانوا ينجحون فيها، كان الاستكبار يظهر ويعلو والعكس صحيح.
وقد تفنّن الاستكبار في ألاعيب صرف المستضعفين عن وحدتهم واجتماعهم على مواجهته، وزرع الفتن بين صفوفهم والاختلاف والتنازع والانقسام، لإدراكه أنّ وحدة المستضعفين واجتماعهم على حقّهم هو السلاح الأمضى عبر التاريخ لهزيمة الاستكبار..
وللأسف فإنّ التاريخ يحدّثنا أنّ شعوباً وقعت ضحية الاحتلال وانقسمت على نفسها بدل أن تتوحّد، ومنحت بذلك للعدو والاحتلال سلاحها الأقوى وواجهته عارية متجرّدة من أداة هزيمته ودحره، وأعني بهذه الأداة وحدة الصف..
وهكذا تتلخّص الخبرة التاريخية للشعوب تحت الاحتلال في ثلاثة أخطاء قاتلة:
- خطأ الانقسام: انقسام الشعب الناتج عن عدم التوافق على القراءة الموحّدة، والتشخيص الدقيق لطبيعة العدو تارةً، ولطبيعة اللحظة التاريخية تارةً أخرى، ممّا يمثّل ثغرة واسعة تتمكن قوى العدوان من النفاذ خلالها.
وغالباً ما يقوم الانقسام على ثلاثة قضايا: أولها عدم إدراك الخطر، وثانيها المراهنة الفئوية الانتهازية، وثالثها عدم القدرة على ترتيب سلم الأولويات.
- خطأ الاتحاد والتحالف العشوائي الآني: وهو اتحاد الاضطرار في لحظة أو مرحلة ما بدافع الانفعال إزاء موقف خطر.. وإذا كان الاختلاف في درجة تقييم العدو يقود إلى الانقسام المدمّر، فإنّ الضغط الذي يدفع إلى الاتحاد كيفما كان وبأي ثمن يمثّل بدوره خطأ جسيماً سرعان ما تظهر آثاره القاتلة على مسيرة الشعب وقواه..
وقد مثّلت مقولة “التحالف مع الشيطان” هذا النوع من الخطأ.
- غياب الرؤية الكلّية، والوقوع في خطيئة الرؤية الجزئية التبعيضية ومثال ذلك الحديث عن قوى سلام “إسرائيلية” يمكن التحاور والتفاهم معها، وعن معسكرين في المجتمع الصهيوني، وعن تمايز بين موقفي أمريكا و”إسرائيل”، وعن الاستفادة من الأنظمة الوظيفية في المنطقة والتحالف معها .. الخ.
هذه أخطاء ثلاثة وقعنا ولا نزال فيها، ودفعنا ولا نزال ثمنها الباهظ أرضاً ودماً وقضيّة.
ولا حول ولا قوة إلّا بالله