هذا ما تفعله اوسلو بنا…
صفقة القرن: لتحييد الفلسطينيين عن صراعات المحاور في المنطقة
محمد بهلول – طريق القدس
لا شك ان الخلفيات الفلسطينية (الرسمية) والاسرائيلية كانت متناقضة لحظة التوقيع على اتفاق اوسلو بإشراف ورعاية الولايات المتحدة الاميركية.
الفلسطينيون وقعوا الاتفاق بنية انهاء الصراع و انسحاب الاحتلال وفق الشرعية الدولية المتعارف عليها و بمباركة عربية شبه شاملة من خلال مبادرة السلام العربية(بيروت 1992)
الاسرائيليون ذهبوا الى اوسلو وفي جعبتهم (الحل الاقتصادي) لمأساة الشعب الفلسطيني والذي كان اول من بشر به شيمون بيريز قيل مؤتمر مدريد بأشهر عدة داعيا الى شرق اوسط جديد و اعتنقته كل الحكومات الاسرائيلية منذ ذلك الحين الى اليوم.
تقوم فكرة الحل الاقتصادي على تلبية الحاجات الانسانية و الاقتصادية و الاجتماعية للفلسطينيين في مناطق تواجدهم المختلفة، مع حد ادنى من المكاسب الوطنية التي تحافظ على شخصيتهم كشعب.
في الاراضي المحتلة عام 1967 ,حكم ذاتي اداري وان بتسمية (دولة),اما في مناطق اللجوء الاساسية، فوفق ظروف كل تجمع على حدة،
مواطنون في الاردن، اما في لبنان فيقسموا ما بين التوطين واللجوء في المنافي والعودة الى مناطق الحكم الذاتي لا سيما لبقايا الحالة العسكرية والامنية والفصائلية ..الخ
اليوم وبعد مضي 25 عاما على اتفاق اوسلو، من الواضح للعيان لدى اي مراقب موضوعي او حيادي، ان الاسرائيليين وبتضامن (دولي غربي) حققوا مكتسبات هائلة، معتمدين بشكل اساسي على المال السياسي المباشر من خلال ميزانية السلطة الفلسطينية والتحكم بمداخيل الرسوم والضرائب، او غير مباشر من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي توالدت بشكل فطري مخيف في سائر تجمعات الفلسطينيين و لا سيما في المناطق المحتلة، وعلى القاعدة الاجتماعية المنبثقة عن اتفاق اوسلو والمتمثلة بالكمبرادور الفلسطيني (الذي تشكل خلال سنوات الاحتلال من بقايا الاقطاع و البرجوازية الاردنية ليتحول وسيطا يشرف على كاريدور التطبيع غير المعلن ما بين الكيان الاسرائيلي والاسواق العربية عبر الاردن) وكبار موظفي السلطة الفلسطينية المهيمنين على كافة مجالات حياة الفلسطينيين ويقودون واحد من اكبر جيوش الموظفين في العالم قياسا الى عدد السكان.
تطفوا في الاوساط السياسية والاعلامية اليوم فكرة الاعلان عن ما بات يعرف بـ (صفقة القرن) لإيجاد حل نهائي للصراع الفلسطيني _الاسرائيلي بعد ان تم تجاوز هذا الصراع عربيا باستثناء كل من سورية ولبنان، مستفيدين من المكتسبات الهائلة التي حققها اوسلو على مدار السنوات الطويلة.
وتواصل الماكينة الاعلامية السائدة ببث رزمة كاملة من الضغوط على الفلسطينيين بمستوياتهم السياسية و الشعبية للقبول المسبق بهذه الصفقة رغم الضبابية المقصودة لبنودها ومندرجاتها، السؤال اليوم هل ان الاوان لإعلان الانتصار النهائي لأوسلو وهل بات الفلسطينيون جاهزين لتقبل صفقة القرن…ام ان الادارة الاميركية و التي تعتبر الاكثر تشددا و يمينية و الاشد التصاقا بإسرائيل تتسرع بهذه الصفقة لينقلب السحر على الساحر…ام هناك اهداف اخرى.. ام مجرد تلويح لإظهار اهتمام اميركي بالمنطقة.
ان اي متابع موضوعي يستند الى منهج علمي بالتحليل يستطيع ان يجزم ان هذه الصفقة لن تمر و هي اعلان حرب شاملة في المنطقة (تبدي كل الاطراف عدم الرغبة و الاستعداد لها)
ان التسليم بصفقة القرن هو اعلان واضح ومباشر وعلني ومجاني لهزيمة نكراء لمحور المقاومة ولكل فكرة المقاومة بالأساس، وهو ما يعاكس واقع الامور الميدانية على الارض و توازن الرعب الذي انجزته موازين القوى الموضوعية.
ان الهدف الحقيقي و ربما الوحيد لكل هذه الحملة الاعلامية المركزة و التهويل بأقسى واشد الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين انما تهدف الى لجم اي تحول في المزاج السياسي والشعبي على وقع المتغيرات الجارية والتبدل التراكمي الواضح في موازين القوى الجديدة.
حسم الاصطفافات الفلسطينية وقطع الطريق على اي تحول في الموقف الرسمي الفلسطيني والتخفيف قدر المستطاع من اي انزياحات سياسية وفصائلية مستفيدين من اشغال محور المقاومة اليوم بأولويات اخرى.
صفقة القرن هي محطة لترسيم نهائي و موثق للاصطفافات والانقسامات السياسية و الشعبية الفلسطينية بهدف تحييد اكبر قدر ممكن من عناصر القوة الفلسطينية عن محور المقاومة (ايدولوجيا و ماديا)، وهي بالقدر ذاته مد (على عكس ما متعارف) اوكسجين الحياة الى مؤسسات السلطة الفلسطينية و تخيير الفلسطينيين (كما الكثير من شعوب المنطقة) بين الهدوء والرفاه الاقتصادي والتدمير وبؤس العيش الاقتصادي (غزة نموذج فاقع).. انه مرة اخرى محاولة لتخيير الفلسطينيين ما بين المستقبل والتطلعات الوطنية ونظام الحياة الاقتصادي اليومي.
يأتي ثانياً.. تأمين الغطاء الوطني والقومي نسبياً لعملية التطبيع الجارية ما بين النظام العربي الرسمي و واسرائيل تمهيدا لضخ قدرة اضافية و وازنة و مشروعة هذه المرة لمحور الاعتدال بوجه محور المقاومة و لا سيما بعد انجازاته الميدانية الواضحة على اكثر من صعيد و في اكثر من ساحة.
ان المعيار الذي بدا مع اتفاق اوسلو لا زال ساري المفعول وقادرا على تحقيق نتائج تراكمية اولوية المصالح المعيشية اليومية على المصالح و التطلعات الوطنية و هو مسيرة متكاملة ,يساهم بها الكل الفلسطيني ,بعضهم عن تخطيط مسبق و البعض الاخر عن حسن نية و قلة قدرات.
اثبتت سياسة الحياد في الساحة الفلسطينية انها ليست اكثر من ميل تدريجي للتراجع عن فكرة مقاومة الاحتلال لصالح الاهتمام بالهموم المعيشية اليومية و هذا هو جوهر الحل الاقتصادي الاسرائيلي.