نكْبتنا …. وزوالهم الحتمي
المسألة الفلسطينية ونكبة فلسطين تختزل دورة الصراع الكوني بين قوىً ترى في نفسها أنّها جنس متفوّق يحق له أن
يهيمن على سائر الأجناس وأن يمتص دماءها وينهب ثرواتها، ويعولمها لتخضع لإرادته ورغباته وثقافته، وشيطنته، وقوى ترى
أنّ البشر متساوون في الحقوق والواجبات من منطلق وحدة الجنس البشري الذي يعود لأب واحد وأم واحدة هما آدم وحوّاء، وأنّ الإنسان أخٌ للإنسان، أخٌ له في الدّين أو نظير له في الخلق.
وصراع الغرب مع أمتنا لم يبرح هذا المفهوم، حيث ظلّ الغرب يرى في بلادنا أرضاً مشاعاً لاستكباره وسطوته، وأنّ تاريخ هذه
الأرض مصادر لصالح وجود جماعات إسرائيلية عابرة، أقامت على هذه الأرض فترة من الزمن ثم ذهبت كما ذهب غيرها، مع
فارق وهو أن كل العابرين لم يجعلوا من وجودهم أسطورة ووعداً إلهياً مزعوماً، وحقّاً تاريخياً ألبسوه زوراً ثوب الدين، وغرسوا
في أحشائه كل ما سطّرته أيديهم من أكاذيب، بحيث صارت هذه الأرض (بزعمهم) بتاريخها وجغرافيتها رواية تخصهم وحدهم، وأنّ أهلها الأقدمين لم يكونوا سوى حرّاساً يحفظونها للغريب الآتي من الغياب الأبدي..
وعلى هذا المفهوم صار التزاوج بين المشروع الغربي وأداته اليهودية التي أُلبست عباءة هذا المشروع، ومضت فيه بدعوى
الخلاص، مخالفة بذلك معتقدات الجماعات اليهودية الأكثر التصاقاً بنصوص العهد القديم التي لا ترى خلاصاً لليهود إلّا مع قدوم
المسيح (عليه السلام)، وفي سبيل الانقلاب على هذه النصوص فقد خاض الغرب معارك لاهوتية مصادمة لمعتقداته وأخرى
حربية مدمّرة لحشر رؤيتها في الذهنية اليهودية لاستيطانها قبل عملية استيطان فلسطين..
75 سنة على اقتلاع الغابة الفلسطينية، وتشتيتها وزرعها في القفار البعيدة، كي تذبل وتموت..
75 سنة من القتل والتشريد والمطاردة والاعتقال والنفي..
75 سنة من الخذلان والتآمر والتواطؤ والترهيب والتذويب..
في أكبر عملية استئصال عرقي شهدها القرن العشرين.. حيث شرّد قسراً وبالقوة نحو /800/ ألف فلسطيني من أصل نحو مليون و 400 ألف، واحتل /87%/ من مساحة فلسطين البالغة /27/ ألف كيلو متر مربع، وجرى تدمير /531/ من أصل /774/ قرية ومدينة، ونفّذت العصابات الصهيونية أكثر من /70/ مجزرة بحق الفلسطينيين، ليقدّر عدد ضحاياها من الفلسطينيين بنحو /15/ ألفاً، ومن الجيوش العربية /3500/..
ورغم سياسة التهجير والقتل فقد بقي نحو /150/ ألف فلسطيني في المدن والقرى الفلسطينية في حدود فلسطين المحتلة عام 1948.
ومنذ احتلال فلسطين في عام النكبة وحتى اليوم ارتقى أكثر من مائة ألف فلسطيني، ودخل السجون الإسرائيلية قرابة مليون حالة اعتقال منذ عام 1967..
ووفق الاحصاءات بلغ عدد الفلسطينيين في العالم قرابة /14.5/ مليوناً وهو ما يعني تضاعف عدد الفلسطينيين نحو/10/
مرات منذ 1948.
75 سنة على النكبة الكبرى ويفتح الستار على مشهد الشعب الفلسطيني المجاهد القابض على جمر حقّه في كل
فلسطين، رغم اهتراء نظامه السياسي وانقسامه على نفسه، وعجزه عن مواكبة نهضة الشعب فضلاً عن قدرته على قيادة هذه النهضة..
وفي الوجه الآخر نجد تجمعاً (إسرائيلياً) منقسماً يسير حثيثاً نحو دماره الذاتي، وقد أحاطت به رواية العقد الثامن، تلك الرواية
التي بدأت معالمها من خلال ما نشاهده من تآكل داخلي على كل الصّعد وصولاً إلى لحظة الانهيار الكبير والزوال الحتمي..
ويقيناً أنّ المقاومة وليس غيرها هي من ستسرّع بهذا اليوم الآتي.
د. محمد البحيصي
رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية