نعم للتجنيد، لكن فقط لتحالف السلام
بقلم: أوري افنيري – هآرتس
لو أن الحريديين طلبوا بتصميم تجنيدهم للجيش الاسرائيلي كنت سأقول لهم “شكرا، لا نريد”.
إن تجنيد الحريديين سيكون كارثيا على الجيش الاسرائيلي وعلى الدولة. تجنيد طلاب المدارس الدينية كان سيحطم الجيش الاسرائيلي من الداخل. وكان سيقتضي من الجيش التنازل عن تجنيد الفتيات. أو الفصل التام بين الجنود والمجندات: الجنود والمجندات لن يتدربوا معا ولن يأكلوا معا ولن يروا بعضهم البعض ولن يغنوا معا تفو – تفو – تفو.
إن الحديث عن “المساواة في تحمل العبء” و”دم مقابل دم” هو هراء. جيش الدفاع الاسرائيلي بدون الحريديين أقوى من جيش الدفاع الاسرائيلي مع الحريديين. وتجنيد الحريديين للخدمة الوطنية – حتى لو كان هذا ممكنا – لم يكن ليضيف شيئا. سنتدبر أمورنا بدون ذلك، شكرا. تجنيد الحريديين في زاكا (تشخيص ضحايا الكوارث) وفي وظائف مشابهة هو أمر مبارك. بالتحديد لأنه يتم بارادتهم ومن خلال التطوع. كل ما بقي هو زائد تماما.
أنا شخص غير متدين، وأكثر من ذلك أن كل شيء ديني غريب عني، لكنني لا أكره المتدينين، بل أحاول تفهمهم. وأريد تأسيس حياتنا في الدولة على مبدأ “عش واترك غيرك يعيش”، حسب مقولة هيلل العجوز “لا تعمل لصديقك ما تكرهه لنفسك” و”أحب لصديقك ما تحبه لنفسك”، هذه هي التوراة كلها.
إن أي تفكير جدي بهذا الموضوع يجب أن يبدأ بنبذ الاكاذيب التي يرتكز عليها الوضع الراهن. الحقيقة هي جمهور الحريديين في اسرائيل ليس جزء من المجتمع الاسرائيلي. منذ بداية الصهيونية التي خلقت المجتمع الاسرائيلي، كان الحريديون خارجا. شعب داخل شعب، شعب حريدي داخل المجتمع الاسرائيلي، هم يعيشون في غيتوات خاصة بهم لا يوجد من يحبسهم فيها، فهم أنفسهم الذين اختاروا واقع الحياة هذا (مثلما انغلق اليهود في اوروبا في الغيتوات وأحاطوا أنفسهم بالأسوار قبل أن يجبرهم الأغيار على القيام بذلك). مثل أي جمهور، هم يريدون العيش في واقعهم، هم وأبناءهم وأحفادهم. هذا هو ميلهم الطبيعي، ويجب احترام ذلك.
يجب على المجتمع الاسرائيلي أن يقرر لمرة واحدة والى الأبد: هل يريد تصفية هذا الغيتو بالقوة، وأن يضع حد لشعب داخل شعب، وأن يستوعبهم في داخله، أو أن يُمكنهم من العيش كعادتهم؟ اذا اختارت اسرائيل تصفية غيتو الحريديين، فان تجنيد أبناءهم لجيش الدفاع الاسرائيلي هي الطريق الصحيحة. خلال جيلين أو ثلاثة اجيال سيختفي شعب الحريديين. الشباب سيخدمون في الجيش وسيحتكون “روحيا وجسديا” مع الفتيات وسيختلطون مع العلمانيين، بقيمهم ومواقفهم واسلوب حياتهم. شعب الحريديين سيختفي، على الاقل في اسرائيل. التاريخ شهد تجارب كهذه. ففي النظام البلشفي مثلا تم قمع الكنيسة. ولكن الآن، بعد 27 سنة من انهيار الاتحاد السوفييتي فان الكنيسة الروسية تحتفل.
اذا اردتم تصفية غيتو الحريديين بالقوة فيجب عليكم قول ذلك بوضوح، بدون نفاق وتلعثم. وكما كتب ثيودور هرتسل في “الدولة اليهودية”: “سنعرف كيفية الاحتفاظ بحاخاماتنا في الكنس”. يبدو لي أن معظم الاسرائيليين لا يفكرون بهذا الشكل بجدية. هم يريدون أن يستمر الحريديون في العيش في غيتوات. واذا كان الامر هكذا، فان هذا ممكن فقط في اطار تنازل. التنازل المثالي هو اعطاء الحريديين ما هو ضروري لوجودهم. على سبيل المثال الاعفاء من الخدمة العسكرية، امكانية العيش حسب عاداتهم: الحلال، السبت، الزواج، ميزانيات. وعلينا التقدير أنه ستكون هناك تنازلات اخرى، لكن أن نمنع عنهم امكانية فرض نمط حياتهم على الدولة وعلى المجتمع العلماني. هذا ما يأمر به المنطق، ويأمر به العقل السوي، وفوق كل شيء: هذا ايضا تقدير استراتيجي حكيم.
المعسكر الليبرالي، العلماني والذي يسعى الى السلام يقف أمام تحديان اساسيان هما انهاء الاحتلال وتصفية الاكراه الديني. ليس بالامكان النضال من اجل تحقيق كلاهما في نفس الوقت. هناك حاجة الى الاختيار. بعد انتخابات 1973 التي نجحت فيها شولاميت الوني وخسرت أنا، حضرت مع ألوني مناسبة في حيفا. وقد نقلتها بسيارتي وتحدثنا في الطريق. حاولت اقناعها بأن تأخذ على عاتقها الآن ايضا النضال من اجل السلام. “دعني وشأني”، قالت الوني، “أنت ستستمر في النضال من اجل السلام وأنا سأستمر في النضال ضد الاكراه الديني”. في الواقع الاسرائيلي لا يمكن القيام بالنضالين معا. من اجل ازاحة اليمين عن الحكم يجب على معسكر السلام أن يتحالف مع الحريديين – وإلا لن تكون له اغلبية. في المقابل، من اجل تصفية الاكراه الديني يجب على اليسار التحالف مع اليمين العلماني، الامر الذي سيضع نهاية للنضال ضد الاحتلال والاستيطان. إما هذا أو ذاك.
بعد فوز اهود باراك في الانتخابات في 1999 أقيم احتفال جماهيري بالنصر في ميدان رابين في تل ابيب. الجمهور كان يهتف بتناغم “فقط ليس مع شاس”. وغداة ذلك اليوم عقدت الجلسة الاولى للكنيست الجديدة. ومثل باقي اعضاء الكنيست السابقين تمت دعوتي للجلسة. توجهت الى باراك وهمست في أذنه: “خذ شاس”. وأجاب بمرارة “اذهب واقنع اصدقاءك!”. انقاذ الدولة يسبق مشكلات الدين والدولة. الاحتلال يدهور الدولة نحو الهاوية. من اجل النضال لصالح طابع الدولة العلماني يجب أن تكون الدولة قائمة. ومن اجل أن تكون الدولة قائمة يجب على دولة اسرائيل التخلص من الاحتلال وصنع السلام مع الدولة الفلسطينية التي ستقوم الى جانبها. آمين. نأمل أن تكون هناك ارادة.