نصب تذكارية زائدة
بقلم: عميرة هاس – هآرتس
لم نهدأ بعد من الأنباء حول النصب التذكاري للكارثة في كندا حتى وردتنا الانباء عن المنتصرين والخاسرين في المنافسة حول نصب تذكاري كهذا في لندن.
بالامكان الاختلاف ولكن يصعب المجادلة مع الحاجة الشخصية للناس – من كل دين، طائفة، جنس لان يحفظوا بواسطة حجر او عن طريق أي مبنى آخر ذكرى أعزائهم خاصة اذا كان هؤلاء قد قتلوا في ظروف قاسية، كما يمكن تفهم حاجة جماعات في التاريخ الانساني لتخليد موتاهم وابطالهم. ولكن عندما يأتي التخليد من أعلى وعندما تكون رسمية ومغطاة اعلاميا ومكلفة جدا – لها دوافع تبتعد عن مشاعر الاقرباء والجماعات وعن الرسائل المعلنة. انها تستهدف استخدام الرأسمال الاجتماعي الموجود لدى ممثلي الضحايا وتحويله الى رأسمال سياسي.
لماذا تضيف كندا وبريطانيا وهما الدولتان اللتان لم تحتلهما المانيا النازية لهذا لم يكن بامكانها ان تنفذ فيهما ابادة شعوب، نصبا تذكاريا لتخليد قتل يهود اوروبا؟ هل حقيقة فقط بسبب انهما لم تستوعبا لاجئين يهود في الوقت وبالحجم الذي كان بامكانهم من خلاله انقاذ جماعي او بسبب انه يعيش فيهما مواطنون يهود هم من الناجين او من ابناء الناجين؟ من الذي يحتاج الى نصب تذكاري آخر ضخم الابعاد في الوقت الذي يتم فيه تذكر الكارثة في الغرب أكثر من اي فترة تاريخية ظلامية ومهددة اخرى.
بالامكان القول ان النصب التذكارية الرسمية تقام بأيدي المنتصرين. ان انتصار الحلفاء نحن نعرفه من العديد من النصب التذكارية الاخرى: لماذا نصبا تذكاريا آخر؟ هل المنتصر هو الشعب اليهودي الذي فقد للابد ستة ملايين من ابنائه مع كل الغنى الاسلامي والثقافي والفكري لهم؟ هنا تعريف “النصر” يصم الآذان بشكل خاص ولا تتفق مع ابادة بهذا الحجم. وربما كان الانتصار هو في المنافسة على الوقوع كضحية أو على من كان هو الضحية الاكبر العالم.
الخاسرون في المنافسة هم ضحايا الامبريالية البريطانية. الافارقة الذين بيعوا كعبيد، الشعوب التي احتلتها في حملاتها الكولونيالية، ابناء الامم الاولى التي نهبوا وطردوا وقتلوا في ما تحولت اليوم الى كندا. مئات الملايين مع كل الثروة الانسانية والثقافية والفكرية والتاريخية لهم. لقد فشلت في بحثي في الانترنت عن ذكر لنصب تذكارية حكومية لها هذه التغطية الاعلامية في ذكرى الضحايا المباشرين لبريطانيا وكندا. مع ذلك وقعت على عدد من المقالات المثيرة، والتي من خلالها استنتجت عدم وجودها (اذا كنت مخطئا ارجو تصحيحي).
لقد عرفت أنه من حوالي 30 نصب تذكاري رسمي في أوتاوا يوجد هنالك فقط واحد مخصص للشعوب الاولى – وحتى هذه فقط لمن انضم منهم الى جيش كندا وحاربوا معها. أجل، في كندا يوجد اليوم توجه لازالة نصب تذكارية لشخصيات كانت مشاركة في قمع ابناء الامم الاوائل واحتوائهم (بالاساس بواسطة الاليات الداخلية للمدارس). ولكن الاقتراح باقامة نصب تذكاري وطني لذكرى الضحايا والناجين لتلك الدولتين والفلسفة التي تقف خلفهما رفضت حاليا. في بريطانيا هنالك نصب تذكارية لشخصيات عملت على الغاء العبودية، ولكن مقال لمادج درسر (تشرين اول 2007) في مجلة “Workshop Journal History” يقول: “الطريقة التي تصرفوا بها وأقيمت فيها تخدم بالأساس أجندة سياسية محافظة ومتبجحة، والتي بصورة ممنهجة دفعت الى الهامش محاولة الافارقة الذين بيعوا كعبيد”.
هل تغير شيء في العشر سنوات الأخيرة؟ لا. بالإمكان الاستنتاج من مقال ممتع لجيمس سميث في “النيوستيتمن” في 24 تشرين أول. سميث هو مؤسس ومشارك ورئيس مركز الكارثة البريطاني في “نوتينجهامشير” لتوضيح بواسطة النصب التذكاري الجديد العلاقة المباشرة ما بين الكارثة والفوقية العرقية البيضاء، والذي كان لبريطانيا دور كبير فيها والتي مكنت من بيع العبيد. “إبادة الشعوب” الأوروبي تمت تجربتها سابقا في افريقيا، قبل ان ينتشر في أوروبا، هو يكتب ويقدم أمثلة مثيرة لعلاقات شخصية مباشرة بين الفلاسفة البريطانيين والامريكيين الداعين الى نقاوة العرق الأبيض وبين النازية.
من السهل على كندا وبريطانيا إقامة نصب تذكاري تخليدا لذكرى القتلى اليهود نظرا لانهما ليستا مسؤولتان مباشرتان عن الكارثة. ولكن استخدامهما لرأس المال الاجتماعي العالمي لليهود، كضحايا الفوقية البيضاء في الماضي، تساعدهما في دفن الكوارث التي ارتكبتاها. رأس المال السياسي لهما هو التملص من مسؤوليتهما المادية، السياسية والأخلاقية عن شعوب أخرى ظلت حية ولكنها ما زالت حتى الان تعاني من تلك الكوارث. عندما تحتفل بريطانيا بوعد بلفور فانها تتنصل من ماضيها الكولونيالي، المدمر في الشرق الأوسط ومن دورها في طرد الشعب الفلسطيني من وطنه.
كندا وبريطانيا اعلنتا عنا نحن اليهود كفائزين في المسابقة الرفيعة عن من هو الضحية الأكبر، ولكن الفائز الأكبر حقا هو دولة إسرائيل، التي تطرح نفسها كممثلة للشعب اليهودي كله في الماضي والحاضر: من خلال استغلال ضحايا الكارثة فانها ترفض الانفصال عن تراثها، بنهب الفلسطينيين واقتلاعهم وطردهم، وترفض التقدم الى مرحلة تاريخية أخرى معقولة وآمنة لكلا الشعبين اللذان يعيشان بين البحر الأبيض ونهر الأردن. ان الغرب الذي يرى نفسه متنورا يتنحى جانبا ويسمح لحكومة إسرائيل مواصلة دحرجتنا الى الكارثة. هذا هو رأس المال السياسي الذي تأخذه إسرائيل من تلك النصب التذكارية الزائدة.