نبوءة الجدار للحسيني
بقلم: يوسي بيلين – اسرائيل اليوم
في احدى المحادثات الاخيرة التي كانت لي مع فيصل الحسيني، الزعيم الفلسطيني الاهم في القدس، قبل وفاته المفاجئة، كان كلانا في مزاج عكر. كانت هذه فترة ما بعد اغتيال رابين، بعد حدث ارهابي فلسطيني فتاك، وبعد رد اسرائيلي لم يكن فيه ما يمنع تفاقم العنف. سألته الى أين يؤدي كل هذا، فقال الى “حدث الجدار”.
لم افهم ما يقصد، فشرح: عشرات الالاف وربما مئات الالاف من الفلسطينيين يسيرون نحو جدار غزة ويدخلون الى اسرائيل بلا سلاح. انتم تقتلون من يسيرون في الصفوف الاولى، لن يكون لكم مفر. بعد أن يدخلوا الى اسرائيل ستقتلون المزيد منهم. في البداية سيسلم العالم بهذا، لانه ستكون دوما نزاعات اخرى، مضرجة بالدماء، تتطلب التهدئة، الى أن يصبح عدد القتلى اكبر بكثير، ولا يتمكن العالم من السكوت. وماذا إذن؟ سألت. لم يطرح سيناريو مرتب، ولكن قال ان هذا هو السلاح “السري” للفلسطينيين. السير في اعقاب غاندي والموافقة على التضحية بحياة العشرات، وربما المئات من الشبان غير المسلحين كي يدخل العالم اخيرا الى الصفوف، ويحقق الحل المعروف لنا جميعا: دولتان على أساس الخط الاخضر وعاصمتان في القدس.
ليس للفلسطينيين أي احتمال في أن يتغلبوا على الجيش الاسرائيلي أو أن يفرضوا على اسرائيل حلا لا تريده، والعالم لن يتدخل الا اذا وقعت احداث تهز الرأي العام العالمي، وتلزم الدول الديمقراطية باتخاذ قرارات. شبان غير مسلحين يقتلون على ايدي الجيش الاقوى في الشرق الاوسط، سيدفعون العالم الغربي لان يقوم بعمل ما. والتفكير بانه يمكن الوصول الى حل فقط لانه وصلت في اسرائيل الى الحكم حكومة أرادت السلام معنا، كان ساذجا جدا، قال. هذا يبدو انه لا يمكن أن يحصل دون أن ننزف دما.
الحسيني قال ان الفلسطينيين يكثرون من الحديث عن ذلك. ظاهرا، على الاقل سيكون في ذلك ما يدخلكم الى وضع لا تكون لكم فيه أي امكانية اخرى غير اطلاق النار علينا. ليس لانه اذا دخلنا الى اسرائيل سنمس بكل من يقف في طريقنا، بل لانكم لن ترغبوا في المخاطرة بابداء الضعف ولا تتمكنوا من كشف سيادتكم لقرار فلسطيني باجتياز الحدود. اذا لم تنجحوا في ايجاد شيء ما يشلنا مؤقتا، ولكن لن يقتلنا، ستعملون ضدنا، في البداية بشكل غير فتاك، ولكن سرعان ما ستنتقلون من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي الى الرصاص الحي.
سينشا وضع نكون كلانا محقين. نحن سنقول اننا مللنا وبلغ السيل الزبا عندنا، دخلنا في مسيرة كان يفترض أن تصل الى تسوية دائمة بيننا وبينكم، اعترفنا بكم، تنازلنا عن الكثير من مطالبنا السابقة، وانتم تتخذون سياسة تتملص من الوصول الى حل تقسيم البلاد بيننا، في ظل القاء الذنب علينا، والادعاء باننا لسنا شركاء صادقين في السلام، لم نفي بنصيبنا في الاتفاقات ولم نقصد ابدا السلام الحقيقي. انتم ستتهموننا بالعنف، وبالتهديد لسيادتكم، وفي اننا نستفزكم عن عمد ونعرض حياة أبنائنا للخطر عبثا، وستقتلوننا.
العالم، قال الحسيني، سينظر الى هذا الصراع الغريب، الذي كل كاميرات التلفزيون ستوجه اليه، واحد لن يتمكن من التضامن معكم. وستحاولون، بشكل مثير للشفقة، الشرح بانكم لستم مذنبين في المواجهة الناشئة وانكم تبذلون جهودا هائلة لمنع القتل. ولكن الصور ستتحدث من تلقاء نفسها والاعداد ستتحدث، وبالاساس اذا كان بين قتلانا فتيان. الاسرائيليون لن يقتلوا تقريبا، وربما لن يقتل منهم احد على الاطلاق. نحن سندفع ثمن الموت، ولكن اننتم ستدفعون ثمن الضغط الدولي، وفي النهاية ستضطرون الى عمل شيء ما.
عشرات السنين مرت منذ ذاك الحديث اياه، وتحقق نبوءة الحسيني تأخرت. استعداد الاف عديدة للمخاطرة بحياتهم ليس شيئا بسيطا، فما بالك ان اسرائيل ايضا لم تخترع منذئذ وسائل كافية قادرة على استبدال القتل بالتحييد المؤقت.
كان واضحا أن تدهور شروط الحياة في غزة سيؤدي الى الانفجار. سواء كان السبب للوضع الحالي هو حكم حماس في غزة ام ان لاسرائيل في الامر. واضح ان هذا انفجار يجري بتشجيع حماس وواضح ان علينا أن نضع له حدا. التفسيرات لن تقنع. هناك حاجة لتغيير السياسة، وليس فقط بسبب المسيرة نحو الجدار بل اساسا على خلفية المعطات عن فقدان الاغلبية اليهودية.