الأخبارمقالات وآراء

مخيمات الإنتظار بين تاريخ البؤس وآمال الفرج…

فاطمة مجذوب – لبنان – خاص طريق القدس

“طردوه من كل المرافئ، ثم قالوا له أنت لاجئ”…
هكذا وصف الشاعر الفلسطيني محمود درويش حال اللاجئ، مؤمنًا بعمق معاناته ومأساته التي صورلنا اياها من خلال كتباته لـِ أشعار عدة ولكن للاسف لم تجيد الكلمات اي نفع، ولم تحرك ضمير اي حاكم لديه القدرة على مساعدة اللاجئ. كُتب بحق اللاجئين الفلسطينيين الكثير ولكن لم يعد الامر يحتاج الكثير من الكتابات والاثبتات لكي يعلم العالم أجمع ان اللاجئيين لاسيّما في لبنان هم من أتعس لاجئي هذا العالم، ولكن ليس لديهم باليدّ أيّةِ حيلة فقده هُجروا إلى لبنان قسرًا عام 1948 أثر حدوث النكبة، ووفق احصائيات الأمم المتحدة فقد فاق عدد اللاجئين الذين وصلوا لبنان المئة ألف، لذلك إعترافًا بمسؤوليتها المباشرة عن تهجير هذا الكم الهائل من الفلسطينيين قامت الامم المتحدة باستحداث هيئة دولية خاصة لتوفير الحماية والمساعدة لهؤلاء اللاجئين حيث تأسست “لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين” عام 1948 وبعدها بعام تقريبًا تأسست وكالة غوث وتشغيل للاجئين الفلسطينيين المعروفة بالاونروا، وتم تسجيل اللاجئين فيها. ومن هنا نشأت المخيّمات الفلسطينية، حيث كانت في بداية الأمر البيوت عبارة عن ألواح زينكو، تضم كم هائل من اللاجئين مما تسبب ذلك بالعديد من الامراض الصحية بالاضافة الى خلل في حُسن التربية والمشاكل الاجتماعية. توزع لاجئي لبنان على أربعة عشر مخيمًا فلسطينيًا، بقيت مساحة كل منها على ما هي عليه منذ تم إنشاؤها وتوزعت هذه المخيّمات في خمس مناطق (بيروت ، طرابلس ، صيدا ، صور ، والبقاع) وجميعها تأسست بعد نكبة 1948 وقبل نكسة 1967، وعرفت هذه المخيمات بالأسماء التالية (برج البراجنة، الرشدية، عيّن الحلوة، المية ومية، صبرا وشاتيلا، تل الزعتر، البص، نهر البارد، الجليل، مار الياس، الضبية، البداوي، البرج الشمالي، النبطية)، بعد مرور عشرات السنين على تأسيس هذه المخيّمات بقيت جميعها باستثناء مخيمي النبطية وتل الزعتر الذين تعرضوا للدمار وتشريد وقتل سكانهم حيث دُمر الاول من قِبل القصف الاسرائيلي والاخير دُمر خلال الحرب الاهلية. تعيش المخيمات الفلسطينية اليوم واقع مريرا من جميع النواحي، هذا بالاضافة الى تقليص الاونروا لخدماتها وقرارتها المجحفة باتجاه اللاجئين عدا عن القرارات القاسية المفروضة على اللاجئ من قِبل الدولة اللبنانية كالحرمان من التملك والمنع من العمل بِأكثر من سبعين مهنة، فهذا كله يدفع اللاجئ الى حالة اليأس أو الهروب من المرّ إلى الامر عبر سفن الموت والتهريب الى دول اوروبا. منذ بداية النكبة حتى يومنا هذا يعيش اللاجئ الفلسطيني واقع سياسي واقتصادي واجتماعي مجحف داخل المخيمات، فقد تأثر اللاجئ بالواقع السياسي منذ قدومه الى لبنان وبدأ هذا التأثر يزداد بشكل مباشر حتى يومنا هذا حيث تعرضت مخيمات اللجوء الى العديد من القصف الاسرائيلي وكان هدف العدو زرع الموت والخوف داخل اهالي المخيم لكن كل محاولات العدو كان مصيرها الفشل، واذا راجعنا الاتفاقيات التي وقعتها “تل أبيب” مع منظمة التحرير الفلسطينية سوف نرى ان الهدف منها السيطرة على المخيمات ولكن تمسك اللاجئ الفلسطيني بمخيماته كان الامر الاساسي لفشل كل مخططات العدو الصهيوني. أما على الصعيد الداخلي لم يسلم الفلسطيني أيضًا من تصفية الحسابات الداخلية في المخيمات لاسيّما في مخيم عين الحلوة منذ عشرات السنين لم تمرّ فترة طويلة هادئة على المخيم حيث ان اللاجئ دائما يتحمل مسؤولية تصفية الحسابات الداخلية، فالقتل داخل هذا الكيلو متر مربع مُجاز وشاهدنا العديد من الجرائم قد حصلت في وضحِ النهار حيث ان هذه العمليات كان ومازال لها دور كبير في شلل الحركة الاقتصادية داخل المخيّم وهلع الأهالي واقفال المدارس لتجهيل الاطفال الفلسطينيين. واقع المخيمات يستحق أن نقف عنده فالوجع والبطالة واكتظاظ السكان قاسم مشترك بينهم جميعا بالاضافة الى الوعود التي يتلقونها من هنا وهناك لتحسين اوضاعهم وتأمين الامن والامان ولكن للاسف جميع الوعود مازالت في قيد الانتظار، وحتى الوعود اللبنانية لم تنفذ ففي عام 1991 اثر اتفاق الطائف تم تأليف لجنتان واحدة لبنانية وأخرى فلسطينية كان مهامها فتح حوار فلسطيني لبناني للمناقشة حول الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين وكانت بداية الحوار ايجابية فكان الاتفاق اعطاء اللاجئيين حقوقهم مقابل تسليم السلاح الثقيل الموجود داخل المخيمات وخارجها وتمت الموافقة من قِبل الطرف الفلسطيني ولكن الطرف اللبناني أجل هذا الاتفاق ومازال مؤجلا حتى يومنا هذا. طُرح عدد كبير من الخطط من قبل الدولة اللبنانية لتحسين ظروف عيش اللاجئين، لكن دائمًا كان هناك خوف عند العديد من اللبنانيين من عملية التوطين، لذلك فرضت الدولة على جميع اللاجئيين من منع التملك والعمل في أكثر من سبعين مهنة. إذًا هو وضع بائس يعيشه اللاجئ الفلسطيني على كافة الاصعدة وفي كل حدث او اشتباك داخل المخيم تتعاطى الدولة اللبنانية مع اللاجئ وكأنه شخص ارهابي متخوفة من وجوده وتأثيره الديموغرافي على لبنان، هذا من يزيد الضغط على نفسيته ولكن لا يوجد في يده أيّة حيلة سوى الرضوخ والتحمل في العيش دون المستوى الانساني المطلوب منتظرا تنفيذ حق العودة في اقرب وقت ممكن كما ورد في القرار 194.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى