مؤيدو نتنياهو الجبناء والكسولين والاغبياء
بقلم: دانييل بلتمان – هآرتس
التناقض الاكثر ادهاشا الذي اكتشف بعد نشر مجمل التحقيقات مع بنيامين نتنياهو من قبل الشرطة كان الفجوة بين ثقة الجمهور بما جاء في توصياتها وبين الاستقرار الذي لا يهتز في مكانة نتنياهو في رئاسة الحكومة والليكود. أي أن توصيات الشرطة لم تؤد الى تحول دراماتيكي في نظر جزء كبير من الجمهور لرئيس الحكومة، الذي حسب الاستطلاعات يستمر في حصوله على تأييد اكبر مقارنة مع رؤساء الاحزاب الاخرى في اسرائيل.
فور اتضاح الصورة الانتخابية هذه رفع في الشبكات الاجتماعية جزء من مقابلة مع الكاتب اتغار كيرت، التي نشرت في “غلوبوس” في نيسان 2016. هناك تم وصف محادثة لكيرت مع سائق سيارة مجهول قال له (كما قال) “دعك، هيا نختصر المحادثة. اذا دخل علي بيبي في منتصف الليل من النافذة وقام باغتصاب ابنتي، فأنا سأصوت له”.
الفيلسوف عمانوئيل كانت كتب في أحد مقالاته أن السبب الاساسي في أن اشخاص كثيرين يفضلون البقاء طوال حياتهم في وضع غير البالغين، وبسهولة غير مفهومة يسمحون للآخرين بالتحول الى أوصياء عليهم، يستند الى ثلاثة مركبات: الجبن والكسل والغباء. الاسباب الداعية للتأييد غير المعقول كما يبدو لرئيس الحكومة المتهم بعدد من حالات الرشوة، وهو الشخص الذي يثير المشاكل ويحرض والاكثر خطورة الذي تولى رئاسة الحكم في اسرائيل، يجب البحث عنها في تفسيرات لا تتميز باعتبارات عقلانية للناخب، والتي على ضوئها سيقرر اذا كان سيؤيد هذا السياسي أو ذاك. الامر متعلق بدوافع تنبع من مصادر مختلفة تماما.
ما هي اسباب أن كثيرين ممن يواصلون السير خلف رئيس قام في السنوات الاخيرة ببذل جهد من اجل اقامة نظام استبدادي في اسرائيل ؟ كيف يستمرون في تأييد شخص يحاول حل جهاز القانون وجهاز القضاء، وقمع وسائل الاعلام المستقلة والانتقادية وأن يخضعها لاخطائه واخطاء زوجته، وأن يحول اسرائيل الى دولة تندمج فيها المصالح الاقتصادية لارباب المال مع المصالح الشخصية للسياسيين؟ يبدو أن الاجابات يجب البحث عنها في ثنايا التاريخ وعلم النفس والاجتماع. السبب الاول هو عدم اليقين الوجودي في اسرائيل. المعارضة الفلسطينية العنيفة والازمات الامنية التي تخلقها حماس وحزب الله وايران هي واقع لا يتغير في الواقع الاسرائيلي. في اوقات عدم اليقين فان الاشخاص يسيرون خلف زعماء ذوي شخصيات قوية، هذه الشخصية لا تعتمد بالضرورة على افعال فعلية للزعيم – أي أنها غير متعلقة بمسألة اذا قام بافعال عسكرية شجاعة أو صد ضغوطات دولية للحفاظ على مصالح الدولة.
المهم هو قدرة الزعيم على اتخاذ “قيادة موجهة”. هذا المفهوم وضعه ثلاثة باحثين من جامعة كلرموند في الولايات المتحدة وجامعة ارسموس في روتردام. هؤلاء الباحثون فحصوا ضمن امور اخرى زعامة جورج بوش الابن بعد احداث ايلول 2001. أي زعيم يتميز بأنه يعرف افضل من غيره الطريق وكيفية السير فيها الى جانب قدرته على طرح جدول اعمال واضح وحازم. جورج بوش، أحد الرؤساء البائسين في تاريخ الولايات المتحدة في المئة سنة الاخيرة (الرئيس الحالي هو بالتأكيد اكثر بؤسا)، اشترى عالمه وسنوات رئاسته برسالته بعد الهجوم الارهابي في 11 ايلول، التي تقول إنه يؤمن بأن “الواجب المطلق للرئيس الامريكي هو الدفاع عن الشعب الامريكي. اذا اظهرت امريكا انعدام يقين أو ضعف فسنجر الى تراجيديا، هذا لن يحدث في ولايتي”.
في حالة عدم اليقين فان الجمهور يعزز زعامة موجهة استبدادية لها اربعة خصائص. هذه زعامة تعرض قدرتها (ايضا حتى لو كانت وهمية)، على أن تتخذ بنفسها كل القرارات الهامة؛ زعامة تنقل رسالة تفيد بأنها تنشغل في تحقيق المهمات الوطنية وليس في الصغائر (مثل السيجار والشمبانيا)؛ زعامة، رغم أنها شعبوية، تعرف كيف تحافظ على مسافة بينها وبين الجمهور من اجل الحفاظ على مكانتها الاعلى من الشعب؛ زعامة تخلق وتحافظ على الدافعية بواسطة تهديد مستمر بحدوث كارثة ستحل بالشعب اذا سقط الزعيم، أو عن طريق رد الجميل بطرق غير سليمة لذوي القدرات المستعدين لأن يوفروا لها أدوات للحفاظ على قوتها.
ادولف هتلر وفر زعامة كهذه للشعب الالماني في زمن عدم اليقين في الحرب العالمية الاولى. وياسر عرفات كان نموذج لـ “الزعامة الموجهة” للشعب الفلسطيني خلال بضعة عقود في نضاله للتحرر الوطني. ايضا اسلوب مارغريت تاتشر التي انتخبت لرئاسة حكومة بريطانيا في 1979 تميز بنماذج من “الزعامة الموجهة” في زمن عدم اليمين والشعور بالتفكك الاقتصادي والاجتماعي.
زعامة نتنياهو هي بالضبط مثل تلك الزعامة. هو ينقل رسالة دائمة يطرح فيها قدراته التي تفوق كل قدرات السياسيين الآخرين في اسرائيل، في أن يكون “زعيم موجه” ازاء خطر ايران ووكلائها في لبنان وفي قطاع غزة. الخوف، مثل اقتراح كانت، يلعب هنا دور مركزي في عدم رغبة مئات آلاف الاسرائيليين في الانفصال عن وصاية نتنياهو الدفاعية. المخاوف الوجودية التي تغذي التأييد الراسخ لنتنياهو تندمج مع التفكير الانتقادي الكسول. معروف مثلا أن الازمة الاقتصادية تغذي مواقف سلبية تجاه الاقليات والمهاجرين، لا سيما اذا ظهر أن هذه الاقليات تتنافس على الموارد المحدودة للدولة. من هنا يمكن الافتراض أن تأييد نتنياهو في اوساط الطبقات الاجتماعية الفقيرة ينبع ايضا من الوضع الاقتصادي الصعب لها وبسبب السياسة التي يقودها، وهي طرد اللاجئين.
ولكن هنا توجد مشكلة معينة: الوضع الاقتصادي في اسرائيل هو من افضل الاوضاع في الدول الغربية. نسبة البطالة فيها منخفضة، واستقرارها الاقتصادي غير مشكوك فيه. اسرائيل هي نموذج معروف لأدبيات البحث في دولة تزيد فيها قوة اليمين السياسي الذي يقوده حاكم يسعى الى الاستبداد رغم حقيقة أن وضعها الاقتصادي مستقر. هكذا كان الوضع في ايطاليا في عهد برلسكوني، على سبيل المثال، واليوم هذا هو الوضع في بولندا وهنغاريا.
كما اسلفنا، هناك عنصر يحرك الدعم غير المشكوك فيه لنتنياهو، ليس المنافسة مع طالبي اللجوء الافارقة على اماكن العمل والموارد، بل كسل التفكير الانتقادي. بسبب ذلك فان من يؤيدون نتنياهو لا يتوصلون الى استنتاج أن ليس اللاجئين هؤلاء هم الذين يمنعون القدرة على تحسين وضعهم، ولا يمنعون احتمال تحسين ظروف الحياة. الزعيم الذي يؤيدونه هو الذي يسبب ذلك.
من هم الاغبياء، مثلما وصفهم كانت؟ يبدو أنه في اسرائيل هذه الخاصية تناسب في الاساس فئة المتملقين، التي تحيط برئيس الحكومة، مثلا وزيرة الثقافة التي استخذت امامه بعد أن عاد من زيارته المغطاة اعلاميا في الهند، وكأنه قيصر روماني يعود من حملة احتلال لاقليم بعيد. مثلا، رجل قانون ووزير مثل ياريف لفين، الذي حولته كراهيته المرضية للديمقراطية الليبرالية وسمو القانون الى كلب حراسة لنتنياهو، الذي يبرر بتبريرات قانونية كل عمل ظلامي لبطله.
أو عضو الكنيست الغريب ميكي زوهر الذي شبه قتل اسحق رابين بوضع رئيس حكومة فاسد وخطير، والذي يسير خلفه مثل بغل لا ينظر الى اليمين أو الى اليسار. هذه المجموعة القوية من الاغبياء، التي تشجع المصالحة السياسية لها بصورة ساخرة الى جانب جمهور كبير لا يجد الطريق لمواجهة مشاكله – هذا ما يحافظ على نتنياهو في وضع الوصي و”الزعيم الموجه”.
في نيسان 1945 اثناء الانهيار الكبير للرايخ الثالث وعلى ضوء انعدام قدرة الجنرالات الالمان في وقف الحرب حتى اللحظة الاخيرة، كتب ضابط صغير في الفيرماخ، يوليوس دوفنر، في مذكراته “ألا يوجد من يلجم هذا المجنون ويوقف كل شيء؟ أما زالوا جنرالات؟ لا، هم جبناء! وليس الجندي البسيط!”، دعوته هذه لها علاقة بالسياق الاسرائيلي الآن.
ليس الشعب هو المشكلة، والتهمة ليست موجهة ضده، اسرائيل بحاجة الى عدد من السياسيين المسؤولين والمستقيمين كي يوقفوا هذا الجنون ويبينوا لنتنياهو الطريق السريع نحو الخارج.