لماذا طلبنا من الجنود عدم اطلاق النار على المتظاهرين
بقلم: دافيد زونشاين – هآرتس
الى جانب التدريبات المنهكة، لم يكن هناك أمر استثمرت فيه جهد وابداعية عندما كنت ضابط شاب وتوليت قيادة الجنود المبتدئين في قاعدة التدريب للواء المظليين في بداية التسعينيات، من التربية ومعرفة البلاد. لقد كانت قليلة التدريبات والنشاطات العملياتية التي جاءت لاحقا والتي لم تبدأ باستعراض المنطقة ودرس عن التاريخ وعن جغرافية البلاد أو محادثة حول مستقبل اسرائيل ودور الجيش. الجيش الاسرائيلي، كما اعتقدت، هو كتاب وسيف، هو اندماج فريد للمعرفة والشجاعة والقوة العسكرية، الذي يخدم هدف كبير. اذا كانت النوايا هكذا فقد كان يجب أن تكون طاهرة، والوسائل ايضا.
وبشكل خاص، أكدت على الاخلاق في الحرب وعلى ما سمي بـ “طهارة السلاح”. عن قصة قضية قافلة الـ 35، التي تصف الثمن المحتمل للمستوى الاخلاقي. وفي المقابل عن مذبحة كفر قاسم، التي الفقرة الاخيرة المشهورة في قرار حكم القاضي بنيامين هليفي في هذه القضية، تعلمتها في حينه وما زلت احفظها عن ظهر قلب حتى الآن. إن استخدام الجيش فقط لاهداف دفاعية ضرورية، فقط باستخدام قوة تشكل الحد الادنى الضروري، بدت لي اساسية في القدرة على استخدام القوة والعمل من خلالها. لقد اعتقدت في حينه مثلما اعتقد الآن بأنه لا يوجد هدف يبرر الوسائل، وأن تقديس الوسائل يدنس الهدف، وعمليا يقوم بالغائه.
بعد 62 سنة فان المذبحة في كفر قاسم بقيت قضية منسية. جيش في بداية طريقه تحول الى جيش دولة عظمى اقليمية، اطلاق النار الذي نفذ على ارض القرية، حيث كان من أطلق النار يرى أعين من أطلق النار عليهم، تحول الى اطلاق نار من الطائرات التي لا ترى الاهداف، والى صواريخ يتم اطلاقها من خلال الضغط على زر في قاعدة في الجبهة الداخلية على اهداف مكتظة بالمدنيين. الامر الذي يتم اعطاءه في الحرب من قبل ضابط صغير تحول الى توجيهات من قبل المستوى السياسي، بشكل علني، وفي فترة ليس فيها حرب.
في احداث يوم الجمعة الماضي، 30 آذار، اطلق الجنود النار الحية على متظاهرين غير مسلحين وقتلوا 15 شخص وجرحوا المئات. الجيش استعد حقا لمظاهرات، لكن بدل محاولة تقليص عدد المصابين، أوضحت اوساط رسمية مسبقا بأن الجنود سيطلقون النار الحية على المتظاهرين الذين سيتواجدون على بعد مئات الامتار من الجدار.
خلافا لقضية كفر قاسم التي فيها أعطي امر اطلاق النار على من اخترقوا حظر التجول، من قبل ضابط صغير في الميدان، المسؤولية عن اعطاء هذه التعليمات غير القانونية وعن النتائج القاتلة لتنفيذها، ملقاة في المقام الاول على واضعي هذه السياسة – رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان – الذين قاموا بتوجيه الجنود. إن أمر اطلاق النار على متظاهرين غير مسلحين هو امر غير قانوني بصورة واضحة، الذي يمثل الانصياع له مخالفة جنائية. لذلك اذا تلقى الجنود في الميدان أمر لاطلاق النار الحية على مدنيين غير مسلحين – يجب عليهم رفض الانصياع له.
خلافا لقضية كفر قاسم وعلى ضوء حقيقة أن المستوى السياسي والمستوى العسكري هما اللذان وجها الجنود، لم يتم اجراء محاكمة. اذا تم اعتبار المذبحة في كفر قاسم أمرا شاذا يجب اظهاره واخراجه الى خارج الحدود، عندها نعلم بأن لا يحدث هذا مرة اخرى. اطلاق النار على المتظاهرين غير المسلحين هو سياسة معلنة، وباعتبارها هكذا، يجب تقديسها.
“عدم الشرعية التي تقلع العين والتي تغضب القلب، اذا كانت العين ليست عمياء والقلب ليس مقفل أو فاسدا”، كتب القاضي هليفي في قرار الحكم. ولكن عدم الشرعية اصبح لا يقلع العين ولا يغضب القلب.
إن استخدام النار الحية محظور، بالاحرى عندما يكون الجنود موجودون على بعد كبير داخل اسرائيل، ويطلقون النار على المتظاهرين الموجودين داخل غزة، على الجانب الآخر من الجدار. لقد وقع حظر شديد في اعطاء اوامر للجنود باطلاق النار الحية على الاشخاص الذين يقتربون من الجدار، أو يمسون به أو يحاولون اجتيازه. الجيش بالطبع يمكنه أن يمنع اعمال كهذه، حتى أنه مسموح له اعتقال الذين يحاولون القيام بذلك. ولكن هناك حظر مطلق على اطلاق النار الحية فقط لهذا السبب.
اللامعقول: “بتسيلم”، منظمة حقوق انسان، تطلب من الجنود الى احترام القانون وعدم الوقوع في الخطأ والانصياع للاوامر غير القانونية التي يتم اصدارها خلافا لكل قانون أو اخلاق. مهما ظهر هذا غريبا، فان “بتسيلم” تطلب من الجنود رفض الانصياع للذين يريدون منهم اختراق القانون من اجل اهدافهم.
اسرائيل تفرص حصار مشدد على قطاع غزة، وهناك حوالي 2 مليون من سكانه يخضعون لهذا الحصار منذ اكثر من عشر سنوات. في هذه الفترة، سلسلة من المعارك حصدت حياة عشرات الجنود والمدنيين الاسرائيليين وحياة آلاف الفلسطينيين، منهم بضع مئات من الاطفال. في ظل غياب الرغبة في تسوية الوضع لصالح سكان غلاف غزة ولصالح الناس الذين يعيشون في غزة، والذين رغم الجدار حياتهم مرتبطة الواحدة بالاخرى، فان الوضع في كل المنطقة مرتبط بالمنع، وتوجيهات من هذا النوع التي رأينا نتائجها في المظاهرات الاخيرة قرب الجدار، يجب أن تنتهي. “بتسيلم” تدعو الجنود الى رفض تنفيذ الاوامر التي هي اوامر غير قانونية بصورة واضحة، لذلك هي مخالفة للقانون.