قانون منع الأذان عنصرية إسرائيلية وخوف من العواقب
هيثم أبو الغزلان
إن الخطوة الإسرائيلية في العمل على منع الأذان بمكبرات الصوت في مساجد القدس وبقية المساجد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، هي سعي إسرائيلي لتعزيز ما يسمى “هوية” الدولة اليهودية، وهي خطوة أولى سيتبعها إن مرت قانون منع قرع أجراس الكنائس، في محاولة لمنع وجود أي ديانة غير اليهودية في فلسطين المحتلة. وهو بهذا المعنى يعتبر من أخطر قرارات إسرائيل العنصرية. وقال عضو الكنيست أحمد الطيبي من حزب القائمة المشتركة إنه “لا داعي لهذا القانون وهو استفزازي وشائن. يمكن حلّ الأمور أيضًا دون الإكراه. توصل اليهود والعرب في أماكن مختلفة من البلاد إلى حلول بواسطة الحوار ويجب الاستمرار في اتباع هذا الاتجاه”.
ويرى مراقبون أن من بين أهداف قانون منع الأذان الكثيرة هو إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية والتمهيد لتعزيز يهودية الدولة. فصحيح أن القرار لم ينفذ بعد بسبب اعتراض القائمة العربية المشتركة من جانب واعتراض اليهود المتدينين “حريديم” من جانب آخر عليه خوفًا أن ينعكس هذا الأمر سلبًا على معتقداتهم وطقوسهم الدينية، وليس لأمر آخر.
ولعل الأخطر من كل ذلك ما يجري على أرض الواقع، وخصوصًا في القدس المحتلة، فمشروع “وجه القدس” الاقتصادي، الذي أعلن عنه وزير المواصلات “يسرائيل كاتس”، وما يسمى بوزير القدس “زئيف إلكين”، وما يسمى برئيس بلدية القدس “نير بركات”، يعمل على ربط تل أبيب بالقدس المحتلة بنفق يمتد 2 كيلو متر بعمق 80 مترًا، وربط القدس بمستوطناتٍ في الضفة الغربية المحتلة، ما يساهم في التهويد العمراني والحضاري والتاريخي لهذه المدينة المقدسة. ويترافق ذلك مع تهديدات جدية بسحب جنسيات 50 ألف فلسطيني، وذلك بعد أن سحبت سلطات الاحتلال 50 ألف جنسية أخرى من أبناء القدس الفلسطينيين.
وهذا القانون يعلن بشكل واضح أن الفلسطينيين في الداخل المحتل رعايا وليسوا مواطنين وليس لهم خصوصية دينية أو ثقافية وأن إسرائيل دولة ليس كما تروج عن نفسها بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهذه المحاولات الإسرائيلية المتكررة للمس بالخصوصية الثقافية للفلسطينيين لها أهداف أمنية أيضا؛ إسرائيل تحاول جس نبض الشارع الفلسطيني ومدى تقبله لهذا الأمر من عدمه، وهنا لا بد من الإشارة أن قرار التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى قد ولّد انتفاضة القدس الشعبية الأخيرة مما اضطر إسرائيل للتراجع تحت وطأة العمل المقاوم الذي تصدره الشباب الفلسطيني؛ والقرار الإسرائيلي الأخير إختبار إسرائيلي أيضًا لفاعلية أساليبها الأمنية خلال انتفاضة القدس المستمرة ولجهوزية الفلسطيني للدفاع عن مقدساته.
وفي وقت لاقت فيه هذه الخطوة الإسرائيلية ردود فعل إسلامية فلسطينية غاضبة، كان الرد المسيحي الفلسطيني لافتاً حين صدحت كنائس فلسطين بصوت “الله أكبر”، وردد المطارنة والرهبان الأذان في الكنائس، إظهارًا للتضامن مع المسلمين وتعبيرًا عن وحدة الشعب بمسلميه ومسيحييه ضد الاحتلال وإجراءاته القمعية والعنصرية، وتجسيدًا لصلابة الهوية الوطنية الموحدة للشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته..
وتعبيرًا عن هذه الوحدة الحقيقية التي يجب أن تكون مثالًا يحتذى كتب عريب الرنتاوي: “لقد أثلجت هذه المبادرة الوطنية النوعية (ولا أقول اللفتة أو الالتفاتة) صدور الفلسطينيين جميعاً، إذ في الوقت الذي سقطت فيه عشرات ألوف الأرواح على خطوط التماس بين المذاهب والطوائف المحتربة في الإقليم من حولنا، يصدع المسيحي الفلسطيني بصوت الأذان، ذوداً عن حق أخيه في الوطن والمواطنة، بحفظ مقدساته وشعائره وهويته… وتعبيراً عن صلابة الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، والتي لم تنل منها على ما يبدو، سنوات الانقسام السياسي العجاف، بين فصائل تقتل على جلد الدب قبل اصطياده”.
وأضاف الرنتاوي: “على الرغم من “القشعريرة” التي سرت في العروق، وأنا استمع للخوري المسيحي يصدح بأذان المسلمين، إلا أنني لم أصب بالدهشة أو الاستغراب… فالمسيحيون في فلسطين، كانوا على الدوام في موقع الريادة في الكفاح المعاصر لشعب فلسطين، واحتلوا صفوفاً متقدمة في معارك البناء وحفظ التراث وتظهير الهوية الوطنية وصون الحقوق والذود عن المقدسات.. احتلوا مواقع متقدمة في الحركة الوطنية، فكانوا في صدارتها، وقدموا بدورهم قوافل من الشهداء الأبرار”..
إن المحاولات الإسرائيلية لإسكات صوت الأذان ليست وليدة اللحظة، بل كانت هناك محاولات عديدة تصدى لها الفلسطينيون موحدين. واليوم يجب توحيد كل جهد فلسطيني إسلامي ومسيحي، لرفض الانصياع لما تريد سلطات الاحتلال تطبيقه، والاعتراض على هكذا قوانين وبشدة وحشد الأصوات داخل إسرائيل، لمنع تمرير هذا القانون والمصادقة عليه. والعمل أيضًا على استثارة العالم العربي للتحرك لمنع إسكات أذان المسجد الأقصى وأجراس كنيسة القيامة.. وذلك عبر إجراءات سياسية فعالة، توقف التمادي في الاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية. قبل الوصول إلى نقطة نقول فيها لات حين مندم!!