ثقافة

فن الثورة وحصنها وذاكرتها

أدّى الفن التشكيلي جنباً إلى جنب مع الفنون الإبداعية الأخرى دوراً مهماً وكبيراً في التأريخ للثورة الفلسطينية المعاصرة، ولم يكتفِ بذلك بل عاد إلى استلهام التراث والمكوّنات الوطنية والمنجز الإنساني لشعبنا العظيم بحضارته ومكانته بين الشعوب كافة، فضلاً عن تضحياته واستبساله في الدفاع عن أرضه ومقدساته ووجوده في مراحل ومنعطفات عدة، حتى غدا هذا الفن الخلاّق حصناً وذاكرة لثورته وعطاءاته وأهدافه في التحرير والعودة إلى الديار.
ولئن عُرف الفن التشكيلي في المنطقة العربية والعالم بأنه تعبير حقيقي ومقارب لطبيعة المجتمعات التي اتخذ حياتها ويومياتها وجمالياتها البصرية متناً للوحاته ورسوماته وجدارياته، فإن الفن التشكيلي الفلسطيني ذهب في الغالب الأعمّ من موضوعاته وصوره إلى المعاناة القاسية التي عاشها شعبنا بعد اغتصاب وطنه وتهجيره من مدنه وبلداته وقراه خلال نكبة 1948 وما بعدها وصولاً إلى اليوم، وبات حلم التحرير والتصدي للعدوان الصهيوني الغادر، والتمسّك بالهوية العربية، والتأكيد على عدالة قضيتنا والظلم الذي لحق بهذا الشعب المقاوم لأشرس حملات الإلغاء والقتل والنفي والإبعاد والإبادة المتعمّدة، موضوعات أثيرة لجأ إليها الفنانون التشكيليون داخل فلسطين وخارجها، حتى إن اللوحات التي أنتجوها والتأثير الذي تركته في وجدان متابعي هذا الفن ومشاهديه والمهتمّين به أصبحت مصدر قلق للعدو الصهيوني الذي اعتبر تلك الموضوعات خطراً على وجوده واستمراره في كذبة “وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”، فلاحق معظم الفنانين وحاصرهم وسعى إلى الحدّ من تأثير أعمالهم ومنجزهم الإبداعي في المعارض الإقليمية والدولية، بل إنه اغتال عدداً منهم أمثال ناجي العلي وعبد العزيز إبراهيم، واعتقل آخرين كالفنانين محمد الركوعي وزهدي العدوي… وسواهم!.
إن المنجز التشكيلي الفلسطيني يستوجبُ منا جميعاً، كتاباً ونقاداً ومؤرخين، البحث في عطاءاته والقيم التي أرساها، ودراسة أثر التجارب الفنية التي كانت بحق علامات فارقة ومجلية في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، منطلقين من إيماننا بأن المعركة مع العدو الصهيوني وممارساته الإجرامية لن نكتفي فيها بالبندقية والرصاصة وحسب، بل لا بد من أن تكون معركة الوعي في الخندق نفسه، ولاسيما إذا اتكأت على منجز إبداعي له فعل الرصاصة، وقاد هذه المعركة مبدعون وكتّاب يؤمنون بقيمه الكتابة والفنون المختلفة وتأثيرها على الوجدان الفردي والجمعي. ألم يقل الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق زيّاد يوماً: “لم أحمل يوماً بندقية على كتفي.. ولم أسحب زناد سلاح.. كل ما أملكه شجن ناي.. وفرشاة لألون أحلامي.. وزجاجة حبر”؟، في تأكيد على أن دور المثقف المقاوم بريشته وقلمه لا يقلّ أهمية عن دور الفدائي الذي يبذلُ روحه ودمه دفاعاً عن الوطن وشعبه الصامد الصابر؟!.

 

عمر جمعة – أقلام مقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى