عالم معكوس
بقلم: جاكي خوجي – معاريف
قبيل المهرجان الجماهيري الذي يعقد اليوم على حدود القطاع، نشر منسق اعمال الحكومة في المناطق اللواء يوآف مردخاي منشورا انفعاليا بالعربية. والمنشور موجه لسكان القطاع، ورفع الى صفحته على الفيسبوك في منتهى السبت. ويقول مردخاي ان حماس تستثمر المال في المظاهرات بدلا من توجيهه الى الصحة، الى جودة البيت والى تطهير المياه. واتهم الضابط الكبير حماس قائلا: “واضح أن منظمة حماس فشلت في ادارة شؤون القطاع”. وحذر من أن في نيتهم ادخال نشطاء منهم الى جمهور المتظاهرين. “لا تسمحوا لهم استخدام النساء، الاطفال والسكان الابرياء”.
هذه الرسالة هي جزء من جهد واسع يقوم به جهاز الامن للتصدي للاحتجاج اليومي. لهذا الاستعداد توجد جوانب امنية عديدة، ولكن اعلامية ايضا. لقد ألمح مردخاي للغزيين بان الالاف الذين سيشاركون في المهرجان ليسوا اكثر من جمهور مخدوع، ضحايا لتلاعب حماس، ومن الافضل لهم ان يعرفوا ذلك.
لقد كانت حرب الادمغة الاعلامية بين اسرائيل ولفلسطينيين مشوقة دوما، ولكن في حالة منسق اعمال الحكومة في المناطق، فان ما يبعث على التشويق هو بالذات ما لم يكتب على صفحته على الفيسبوك. فاللواء مردخاي هو الممثل الاساس لجهاز الامن في اسرائيل في الجهد الدولي الجاري هذه الايام لانقاذ غزة. وهو يكثر من التنقل بين العواصم العربية وبين واشنطن وبروكسل، موقع مؤسسات الاتحاد الاوروبي. وقد ازدادت هذه الجهود في السنة الاخيرة وهدفها العاجل هو اعادة البنى التحتية الاساسية في غزة الى العمل المعتاد. ان تضخ الكهرباء بتوريد معقول (اليوم توجد لاربع ساعات في المتوسط يوميا)، ان تعمل المناهل على إزالة المياه العادمة، وان تحرك منشآت المياه السائل في الانابيب، وان يكون في المستشفيات ما يكفي من الادوية للمعانين من امراض صعبة. في القطاع، كل شيء يرتبط الواحد بالاخر: عندما لا تكون كهرباء، تتعطل مناهل المجاري. ويتدفق السائل بحرية ويتسلل الى المياه الجوفية. والمياه التي تنهل من الابار تكون مصابة بالجراثيم. من اجل حل هذه المشكلة فقط يجب تفعيل منظومات الكهرباء، ولكن ايضا بناء منشآت لتحلية المياه. ولغرض اقامتها مطلوب ملايين الدولارات، ولتفعيل المنظومات القائمة هناك حاجة للكهرباء، التي تتطلب هي الاخرى التمويل. لحماس يوجد مال، ولكنه محدود. كما أنه يوجد لابو مازن، ولكنه يريد اسقاط حماس ولهذا فانه يعمل في كل لحظة معطاة الى تقليص ضخه اليهم.
اسرائيل ليست وحيدة في مساعي اعادة البناء. فهي جزء من ائتلاف من الدول، الى جانب مصر، قطر، اتحاد الامارات وعواصم غربية. عندما يدفع القطريون الملايين على الادوية ويوافق اتحاد الامارات على تمويل الوقود لمحطة توليد الطاقة في غزة، الذي تشتريه حماس من مصر، يكون اسماعيل هنية سعيدا وسكان غزة فرحين. وكذا منسق اعمال الحكومة في المناطق يكون راضيا، ولكن بخلاف الجهتين الاخريين كان شريكا فاعلا في الطريق الى هناك.
عالم معكوس. ابو مازن الذي يتعين عليه أن يحرص على ابناء شعبه في القطاع، يسعى الى تجفيفه، واسرائيل، التي تفرض حصارا على غزة، تعمل بنشاط على منع انهيارها. افيغدور ليبرمان واسماعيل هنية شريكان في معارضتهما لجملة تنكيلات السلطة تجاه حماس. هذه التناقضات لم تنشأ امس. فالمفارقات موجودة كل الوقت في علاقات اسرائيل والفلسطينيين. فعلى مدى سنين ارادت اسرائيل السلام مع السلطة، ولكنها بنت في المستوطنات. وهكذا ثبتت حقائق على الارض تجعل الاتفاق المستقبلي صعبا. السلطة تعلن على رغبتها في السلام الدائم، ولكنها تواصل التعاطي مع اسرائيل كحركة استعمارية وليس كثمرة طموح وطني مشروع.
السياسة الاقليمية لم تكن ابدا سطحية كما تعرض في الخطاب العام. فهي معقدة، مضللة وكثيرة الوجوه. من يبلور رأيه عن سياسة الجيش الاسرائيلي في غزة عبر بوستات منسق اعمال الحكومة في المناطق او بلاغات الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، سيجد انها عدوانية. فعلى مدى السنين فاقم الاغلاق بالفعل الحياة في القطاع وصعب الامور عليها. ولكنها بحثت ايضا (وبنشاط احيانا) عن السبل لاعادة بنائها.