الأخبارمقالات وآراء

صبرا وشاتيلا .. اتفاق أوسلو.. المضمون الواحد

بقلم خالد بدير

المجزرة ليست فقط التي يراق فيها الدم… هناك مجازر تقع بحق شعب وأمة دون أن نرى مناظر القتل والدم المسفوح من الضحايا، ويكون وقعها على الأوطان أخطر وأعمق من المجازر التي يقترفها العدو، وفي الحالة الفلسطينية تاريخ الكيان الصهيوني مفعم بمثل هذه المجازر، ومنها مجزرة صبرا وشاتيلا التي وقعت في السادس عشر من أيلول من عام 1982 بعيد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت، وذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ألاف مواطن فلسطيني ولبناني من سكان مخيمي صبرا وشاتيلا.
المجزرة جاءت بعد انتشار قوات دولية فرنسية وايطالية، حيث انتهزت عصابات عميلة وبأوامر من الإرهابي ارئيل شارون الذي كان وقتها وزيراً للحرب في حكومة العدو، وعملت تلك العصابات ذبحاً وتقتلاً بالأطفال والنساء والشيوخ، وظلت صور الضحايا التي تناقلتها عدسات المصورين شاهداً على همجية القتلة الصهاينة والعملاء.
مرت المجزرة وشغلت العالم لكن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تكن تملك، وإلى الآن، إحصائيات حقيقية حول عدد ضحايا المجزرة، ولم تبذل الجهد الذي يجب أن تبذله من أجل ملاحقة القتلة سياسياً، ولم تفعل الماكينة الإعلامية، ومراكز الإنتاج الإعلامي وثائقياً ودرامياً فعلها لتسليط الضوء على المجزرة لتبقى راسخة في وعي الاجيال معبرة عن طبيعة العدو الذي لايتقن إلا لغة القتل، وما أُنتج في هذا المجال على قلته لا يعبر عن أبعاد وخلفيات المجزرة، وتوقيتها، وخاصة فيما يتعلق بالانتقام من صمود المقاومة في بيروت عبر المجزرة.
لم تمر سوى 11 عاماً على المجزرة وفي توقيت قريب في الثالث عشر من أيلول من عام 1993 وقع في البيت الابيض في واشنطن اتفاق أوسلو الذي تم بمقتضاه الاعتراف الرسمي الفلسطيني بما يسمى “دولة إسرائيل”، وبناء على هذا الاعتراف تقلصت فلسطين إلى 22% من مساحتها الحقيقية، والباقي شُرع كأرض للكيان الصهيوني في مفارقة غير مسبوقة حيث أعطت الضحية للجلاد كل الحق في كل ما اقترفه على مدى عقود الصراع.
في أوسلو كانت المجزرة الأكبر دون أن يرى الناس دماً أو أنيناً مباشراً، لكنه خلف فيما بعد موتاً ومجازر وأشكالا متعددة من العدوان المتواصل حتى الأن والمتسلح باتفاق يمارس قادة كيان الاحتلال الضغوط والقهر باسمه حتى على القيادة الفلسطينية، وهو النص الذي حول الراحل ياسر عرفات من رجل سلام عندما وقع الاتفاق، إلى إرهابي يجب قتله عندما ساهم في تحريك الانتفاضة الثانية ودعم الكتائب الفدائية مثل كتائب شهداء الأقصى والعودة لتعديل بعض موازين القوى مع العدو، مما أدى إلى استشهاده بقرار من ارئيل شارون ذاته المسؤول الحقيقي عن مجزرة صبرا وشاتيلا.
في ذكرى المجزرتين لابد من استخلاص الدروس والعبر، وفي مقدمتها أن الحقوق لا تعود بالرضوخ لمشيئة العدو، والتخلي عن حقوق الأمة في فلسطين، فمجزرة صبرا وشاتيلا جاءت اثر انتقال البندقية المقاتلة إلى المنافي دون تفكير بمصير أبناء المخيمات، ومجزرة أوسلو استهدفت جميع الفلسطينيين وفي الصدارة أبناء المخيمات الذين قدموا التضحيات الكبيرة من أجل عودتهم إلى الأرض التي هجروا منها عام 1948، وتم الاعتراف بها أنها ” ارتس اسرائيل” وليست فلسطين.
ما يخفف من وطأة هذه المجازر أن أبناء فلسطين، وعبر انتفاضاتهم المستمرة قد قرروا أن المقاومة مستمرة وأن القضية تُصان ولن يُسمح لكائن من كان أن يهدر الحقوق الوطنية، وفي المقدمة التحرير والعودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى