رمضان عبد الله شلّح .. (من علامات القيامة الفلسطينية)
د. محمد البحيصي رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية
منذ قرون وهم يصلبون شعبنا.. فلا شعبنا يموت، ولا هم يكفّون عن صلبنا ..
ومنذ شُبّه لهم أنّهم صلبوا مسيحنا وقتلوه، وهم ينكرون قيامة المسيح في رسالة محمد وفي نهضة المؤمنين، وفي الحياة الحقّة التي تورثها دماء الشهداء للذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. شعبنا قام .. حقّاً قام .. والذين أرادوا قتل المسيح منذ عشرين قرناً هم أنفسهم من يريدون قتل هذا الشعب، تبدّلت قليلاً أسماؤهم لكنّها ذات المسمّيات والمطارد في التلال والوديان وعلى شواطئ بحر الجليل هو ذاته ذلك الفلسطيني الذي أرادوا مسح ذكره فمسحته البركة الإلهية، ليظلّ قائماً صوتاً يصرخ في برايا هذا العالم مؤذناً بالدينونة وبهلاك الظالمين المستكبرين..
ومثلما كان عزّ الدين القسّام، وعبد القادر الحسيني، وياسر عرفات، وأحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، ووديع حداد علامة من علامات القيامة الفلسطينية، كذلك هو رمضان شلّح.. جاء في الزمن الصّعب، ومضى في الزمن الأصعب، وما بين الحضور والغياب خطَّ في سفر الوطن المصلوب سطور الضياء المستمدّة من الإيمان والوعي والثورة، فكانت قصيدته المعلّقة على صدور الثكالى والمعذّبين يترنّمها الرجال القابضون على الزناد في الحد الفاصل بين الظُلمة والنور ويقسمونها كرغيف سماوي على مائدة الحوارييّن..
يا لنصب السّفر الطويل في صحبة الحق.. ويا لوحشة الطريق لقلة السالكين.. ويا للسكينة التي تتنزّل على قلوب السائرين تمدّهم بالبصيرة واليقين زاداً لا ينفذ وقرّة عينٍ لا تنقطع وعشقاً يحملهم على جناحيه يطير بهم إلى حيث حبيبهم الذي هم له وهو لهم ..
من غزة جاء غازياً ..
ومن الشجاعية جاء شجاعاً..
ومن القسّام جاء خطيباً محرضاً..
ومن فتحي جاء ( محمد الفاتح)..
ومن الأقصى جاء مجبولاً بعجينة الرّباط، خميرةً للآتين في جيش وعد الآخرة، الحافظين لسورة الإسراء..
من جيل (النكسة) حاكت حركة الجهاد الإسلامي عباءة مشروعها الفكري التجديدي المقاوم، واستعادت الدّور والواجب المغيّب في غياهب وهم الإمكان الذي استغرق الكثيرين، وصنعت الفلك بأعين الله ووحيه فلك الإبحار إلى الجذور وسط سخرية واتهام القوم، كان رمضان واحداً من أولئك الأوائل بقامته الكنعانية، وسمرته الجنوبية، قائداً من زمن الفلسطينيين الذين نحروا شمشون على حجر من تلة المنطار، وكأنّ قدر غزة دوماً أن يكون حجرها هو حجر الزاوية في بناء الحركة الوطنية والمشروع الوطني، وأن تكون الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات التهجير والتوطين والتذويب..
رحل الدكتور من هذه الفانية، ليورّثنا وصية الشهداء، وعذابات الأسرى، وصوته سيبقى صداه يؤكد على استحقاقات المرحلة متمثّلة بالوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني، ومشروع المقاومة، وديمومة الاشتباك مع العدو، والثبات في خط ذات الشوكة حتى لقاء الله، وبناء تحالفات مبدئية مع أحرار الأمّة والعالم..
سلامٌ على القائد الكبير …… إنّا لله وإنّا إليه راجعون.