شؤون العدو

رئيس حكومة لجميعنا لست ساعات

 بقلم: حيمي شليف – هآرتس 

بنيامين نتنياهو منح من يشككون به ست ساعات من النشوة. أول أمس بين الساعة الرابعة بعد الظهر وبين الساعة العاشرة مساء، تحول الى أجمل رجل، رئيس حكومة لنا جميعا. يهود الولايات المتحدة تنفسوا الصعداء. دبلوماسيون غربيون أثنوا على الحكمة، خصوم سياسيون وصحافيون معادون امتدحوا نتنياهو على الاتفاق الذي قام بانجازه مع الامم المتحدة فيما يتعلق بطالبي اللجوء. “فقط نتنياهو يستطيع”، قالوا.

من يعارضون الطرد لم يحتملوا ذلك، لكن الفرح كان ايضا من نصيب الذين لا يعنيهم بشكل خاص مصير 40 ألف افريقي في اسرائيل. الاعلان الفجائي عن التوصل الى اتفاق محترم ومنطقي مع الامم المتحدة كان النتيجة المفاجئة للمنطقية والطبيعية، شعاع من الضوء في الظلام لحكومة يمينية، وطنية، والتي دونالد ترامب هو نموذجها للمحاكاة. نظرا للرغبة الشديدة في التهنئة على ما تم انجازه، قاموا بنسيان سنوات كذب نتنياهو، التحريض والتضييع التي سبقت التوصل الى الاتفاق. في نهاية المطاف فعل الشيء الصحيح، قالوا، وهذا هو المهم.

المؤتمر الصحفي لنتنياهو وآريه درعي فتح كما يبدو الباب أمام نتنياهو، ليس لاظهاره كما هو، بل كما يجب أن يكون: رئيس حكومة يميز بين الاساسي والثانوي، يهتم بالرأي العام اليهودي والعالمي، يتعاون مع المنظمات الدولية ومستعد لاتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية في اوساط ناخبيه. سياسي محنك، يعرف أن الضرر الذي اصاب سمعة اسرائيل هو أخطر باضعاف، لأن كثيرين في العالم وعلى رأسهم يهود الولايات المتحدة غير مستعدين لقمع فكرة أن دولة يهودية بيضاء تقوم بطرد لاجئين سود افارقة. زعيم، حتى لو أنه لا تحركه اعتبارات الاخلاق والعدل، إلا أنه يعمل في نهاية المطاف لصالح الدولة.

أي نكتة هذه. أي تحول. حتى لو أن تبدد الوهم كان متوقعا، إلا أن السرعة التي جرى بها كانت تقريبا مضحكة. نتنياهو قفز مباشرة من السياسة الحكيمة الى داخل بركة عميقة للسياسة البيبية. وقبل أن يدرك أحد ما هو الاتفاق الذي وقع عليه مع الامم المتحدة، قام بأحد التراجعات المدهشة في تاريخ السياسة. ليس فقط أنه جمد وبعد ذلك ألغى الاتفاق الذي قبل بضع ساعات امتدحه بأنه الأفضل، بل بدأ فورا في انتقاد الصندوق الجديد وأشباهه، كما هي عادته التحريضية. خلافا للهزة غير الانسانية التي عاشها الافارقة انفسهم، فان تقلبات نتنياهو ضاعفت الضرر لصورة اسرائيل. المؤتمر الصحفي الدراماتيكي الذي عقده جذب الاهتمام لموضوع هامشي نسبيا في الاجندة الدولية، لكن حب الاستطلاع تم استبداله بالدهشة عندما تبين أنه لا يوجد أي شيء. في الوقت الذي تتعاطى فيه دول كثيرة مع ملايين اللاجئين، فقد فهم العالم أن اسرائيل اليمينية واليهودية غير مستعدة لاستيعاب حتى 20 ألف لاجيء. ومثلما هو الامر في حالات اخرى، ومنها قتل المتظاهرين الفلسطينيين في قطاع غزة، فان الخطاب الداخلي الذي يُسمع كمعقول ومشروع من قبل الآذان الاسرائيلية، يعتبر في الأذن الغريبة خطابا متعاليا وغريبا واحيانا وطني وعنصري.

ولكن اساس الضرر تسبب به نتنياهو لنفسه. اليسار فقط زاد العداء القائم، لكن في الرأي العام، بما في ذلك اليمين، تم اعتباره متآمرا وجبان ومتقلب، في الطرف الهستيري للطيف. منذ أن وقع قبل عشرين سنة على الاتفاق التاريخي في “واي بلانتيشن”، وتراجع على الفور لأن اليمين انقض عليه، فان نتنياهو يثبت المرة تلو الاخرى بأن الخوف هو الذي يرشده، والتحريض هو خبزه اليومي، والقاعدة هي إلهه وبقاءه الشخصي هو كل توراته. ضائقة التحقيقات معه ربما غذت تقلباته السريعة في اليوم الاخير، لكن في الاساس هذا هو نفس نتنياهو المخادع، المتشائم والقديم، الذي يعرفه منذ زمن الجميع بمن فيهم ناخبيه، ورغم ذلك ما زال يحكم هنا. هكذا يبدو احيانا، ودائما ايضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى