رئيس الجميع
بقلم: تسفي برئيل – هآرتس
المذبحة في مسجد الروضة في شمال سيناء أثارت كما هو متوقع عاصفة في الشبكات الاجتماعية في مصر. ولكن اذا كانت تعليقات لاذعة ضد داعش وصرخات اعضاء البرلمان لسن قوانين صارمة على الفور، بحيث “تساعد قوات الامن على فرض النظام ومحاربة الارهاب”، وكأن غياب القانون هو الذي يكبح هذه الحرب غير النهائية. واضافة الى كل ذلك تسمع ايضا انتقادات كثيرة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولكن الانتقادات هي أمر خطير في الايام التي يتجند فيها “كل الشعب” لتأييد النظام ويقوم بالبكاء على موت الـ 305 شخص من البدو. هكذا فهمت الدكتورة باسمة مصطفى، المحاضرة في كلية العلوم في جامعة القاهرة.
في يوم السبت استدعيت مصطفى الى التحقيق، وحتى انتهاء التحقيق سيتم وقفها عن عملها مدة ثلاثة اشهر. ذنبها الكبير هو نشرها تعليق موجه للرئيس، والذي كتبت فيه: “أنت تشكل فشلا، لقد فشلت بكل المعايير… أنت لا تعرف كيفية الحافظ على حياة أبناء شعبك، هذه التفجيرات (في المسجد) حدثت من اجل التغطية على سد النهضة (السد الذي يقع في اثيوبيا على النيل والذي يمكنه أن يضر بتوفير المياه لمصر – تسفي برئيل)، وعلى المياه العادمة التي يشربها شعبك بدل المياه الصالحة. أنت خاسر، نحن نبكي في كل مرة على موتانا، وبعد ذلك يطلب منا الرئيس الوقوف الى جانبه”.
ألم قلب المحاضرة “حطم كل القواعد”، حسب وصف رسالة التوقيف عن العمل التي ارسلها اليها رئيس الجامعة الدكتور محمد عثمان شحت، الخبير في الفلسفة الاسلامية والذي يعتبر أحد المثقفين الليبراليين في الدولة. “باسمة مصطفى خرقت التقاليد المتبعة في الجامعة ولم تحافظ على احترام الوظيفة وعلى سمعة الجامعة… وبهذا فقد أثرت على سلامة الجمهور من خلال قيامها بعمل لا يتفق مع القيام بوظيفتها”، قال رئيس الجامعة. لا يوجد سبب للانتظار بتوتر حتى انتهاء التحقيق. لائحة الاتهام والادانة والعقوبة أصبحت موجودة في رسالة التوقيف عن العمل.
طالما أن خيبة الأمل من عدم حيلة السلطات أمام الهجمات المتواصلة للمنظمات الارهابية في ازدياد، فان التنكيل بكل من لا يتعاون مع “الجهد الوطني” يزداد. قبل اسبوعين تم تقديم دعوى ضد الدكتورة رضا شريف، إبنة وزير التنمية في عهد حسني مبارك، بسبب المقال الذي نشرته في تشرين الاول في صحيفة “المصري اليوم” ضد الرئيس السيسي، بعنوان “ماذا بقي لك لتهدمه؟”. وقد كتبت فيه من بين ما كتبت “الوضع الحالي الذي أنت سببه الرئيس، سيؤدي بالدولة الى شفا الهاوية. أنت أساس هذا الغباء… وسائل الاعلام تتحدث بصوت واحد، والبرلمان هو ملك لك وتحركه حسب رغبتك، والمعارضة لا تستطيع فعل أي شيء سوى أن تكون معارضة لنفسها وتحطم نفسها”.
في صحيفة محترمة مثل “المصري اليوم”، وهي وسيلة اعلام خاصة كانت من الدعامات الاساسية لدعم الثورة والرئيس، فان هذه الكتابات هي مثل القفز في بركة فارغة. الامر المفاجيء هو أن هذه الصحافية اصبحت مشهورة عندما نشرت في تموز 2013، وهو الشهر الذي أزاح فيه السيسي نظام الاخوان المسلمين واستولى على الحكم، في هذه الصحيفة مقال بعنوان “يا سيسي، فقط اغمز بعينك”، والذي جاء فيه “عندما قال لنا السيسي أن نخرج الى الشوارع خرجنا. لا يجب عليه دعوتنا للخروج أو أن يأمرنا، يكفي الغمز بعينه وجميعنا سنطيع”.
هذا المقال يمكن ايجاده حتى الآن في مواقع الانترنت. أما المقال الذي نشر بعد اربع سنوات، لا يمكن ايجاده. فقد تم شطبه من موقع الصحيفة في نفس اليوم، وقدم المحرر شكوى من أن الموقع تم اختراقه من قبل القراصنة، الذين نشروا في الموقع “اقوال مفبركة”. مؤسس “المصري اليوم” هو صلاح ذياب، رجل الاعمال الثري والذي تم تقديمه للمحاكمة بتهمة حيازة السلاح والتحايل. ذياب يعتبر من المساهمين في صندوق “تحيا مصر” الذي بادر الى انشائه السيسي في 2014 بهدف تجنيد الاموال للمساعدة في تطوير الدولة. وكجزء من هذه المبادرة توجه الرئيس الى رجال الاعمال في مصر لزيادة المساعدة، وبلغ اسهام ذياب 6.5 مليون دولار. الرئيس نفسه تبرع للصندوق بنصف راتبه، والجيش تبرع بمليار جنيه مصري، وشركة “أوراسكوم” التي تملكها عائلة سويرس والتي كانت شريكة في “المصري اليوم”، ساهمت بـ 3 مليارات جنيه مصري. هذا الصندوق نشر أمس دعوة للجمهور للتبرع بسخاء من اجل مساعدة عائلات القتلى في الهجوم على مسجد الروضة، ويمكن التقدير أن رضا شريف لن تكون بين المتبرعين. لأنها ستحتاج الى المال لتغطية نفقات الدفاع القضائي عن نفسها.
ايام الحداد الثلاثة التي اعلن عنها الرئيس ستنتهي اليوم، لكن محاسبة الجمهور للرئيس لن تنتهي مع انتهاء هذه الايام. ان جهود وسائل الاعلام الرسمية لاظهار نشاطات الجيش ضد التنظيمات الارهابية والصمت على فشل الاستخبارات المدوي، ستجد صعوبة في التغطية على عدم قدرة الخدمات الطبية التي لم تستطع الاستجابة للحاجات الفورية على الارض، واستخدمت سيارات التندر والحافلات من اجل نقل القتلى والمصابين، وقاموا بدفن الاشخاص بملابسهم. منظمات حقوق الانسان تأهبت لتلقي الضربة تمهيدا لموجة الاعتقالات المتوقعة، والتي ستضم ليس فقط المتهمين بالتعاون مع التنظيمات الارهابية، بل ايضا من يتجرأ على انتقاد الفشل المدني والعسكري. مصر ليست اسرائيل. فعلى اهانة الرئيس والجيش والقومية يتم التقديم هناك للمحاكمة.