مقالات وآراء

دعوات التسوية «العربية-الإسرائيلية» المشبوهة ومخاطر «التطبيع» المتزايد مع الاحتلال

ابراهيم أبو ليل – طريق القدس

يشهد تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية تقدماً متسارعاً، في الوقت الذي تسود فيه حالة من الضعف والتفكك في العالم العربي، واستمرار التوسع الاستيطاني المتواصل في القدس والضفة الغربية، حيث يجري تعميق التعاون بين الكيان الصهيوني وما يسمى «الدول المعتدلة» بشكل مكشوف، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، في محاولة لطي ملف الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى صراع (عربي عربي) أو (عربي إيراني). وذلك في ظل مساعي الحكومة الإسرائيلية لتشكيل تحالفات جديدة تُدخل الكيان الصهيوني إلى نسيج المنطقة، تمهيداً لعقد مؤتمر إقليمي يتم التوصل من خلاله إلى «اتفاق سلام» بين الكيان الصهيوني والدول العربية أو ما أطلق عليه الرئيس الأمريكي ترامب «صفقة القرن».

تنشغل بعض الأنظمة العربية وبالتحديد المملكة العربية السعودية في تعميق العلاقة وتطويرها مع الكيان الصهيوني، الذي تتقاطع مصالحها معه إلى حد كبير هذه الأيام، وتجمعهما قواسم مشتركة غير مسبوقة تخدم «الأمن القومي الإسرائيلي» بالمعنى الوجودي أكثر من أي وقت مضى. ذلك أن العداء المشترك لإيران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، يدفع الرياض وتل أبيب إلى تطوير التعاون بينهما وتظهير العلاقات التي كانت سرية في السنوات الماضية، والمبنية على التنسيق السياسي والتعاون الأمني. فقد ذكرت صحيفة إسرائيل اليوم في 17/11/2017 أن مصادر عربية رفيعة المستوى أكدت «بأن الدولتين تتخذان خطاً منسقاً لمنع التواجد الإيراني في المنطقة، ولا سيما في جنوب لبنان. وحسب تلك المصادر، فإن الجهود تتم بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة مصر والأردن ودول الخليج». جاء ذلك إسناداً لحديث رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق غادي آيزنكوت في مقابلة مع موقع “ايلاف” الإخباري السعودي، حيث قال: «يوجد اتفاق كامل بيننا وبين السعوديين في كل ما يتعلق بالمحور الإيراني. نحن مستعدون لتبادل المعلومات إذا كانت حاجة إلى ذلك. ونحن مستعدون لتبادل المعلومات مع الدول العربية المعتدلة، بما في ذلك المعلومات الاستخبارية لمواجهة ايران». وتعود هذه العلاقات إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي بعد اتفاق أوسلو في 1993، حيث ذكرت صحيفة معاريف في 29/10/1993 أن شركة سعودية اتصلت بمكتب المجلس المحلي لمستوطنة (كرني شمرون)، وأبدت استعدادها لشراء شقق سكنية في المستوطنة. وأوردت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية  16/12/1993، قيام الشركات السعودية باستيراد أجهزة كمبيوتر إسرائيلية ماركة (ياردين) لري حدائق الأمراء والحدائق العامة، كما كشفت صحيفة دافار 1/2/1994 استعداد رجال الأعمال السعوديين الذين يقومون باستمرار في زيارة للكيان الصهيوني، اهتماماً كبيراً بعقد صفقات لتزويده بالنفط والغاز الطبيعي. أما صحيفة معاريف بتاريخ 4/1/1995 فقد أوردت اتفاقيات لتصدير المنتوجات الإسرائيلية إلى السعودية عبر الأردن، ومنها عقد اتفاقيات رسمية لتصدير الحمضيات الإسرائيلية التي تتميز فلسطين بزراعتها.

ثمة وثائق جديدة نشرت مؤخراً على موقع ويكيلكس كشفت عن علاقات سعودية مع الكيان الصهيوني في مجالات عدة، منها تبادل المعلومات والتنسيق ضد حركات المقاومة وضد إيران، وتفاصيل مهمة عن زيارات لطلاب وأكاديميين لتقوية العلاقات وتحويلها من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي. وتكشف الوثائق المسربة مراحل التقارب بين السعودية والكيان الصهيوني، إذ بدأت بإلحاح سعودي على طرح مسألة التطبيع مع الحكومة الإسرائيلية ومبادرة السلام السعودية عام 2002، التي تبنتها جامعة الدول العربية في قمة بيروت في العام نفسه. وفي حرب لبنان الثانية عام 2006 جرى الحديث علانية بأن الكيان الصهيوني لم يعد يندرج ضمن قائمة أعداء المملكة السعودية بل هو أقرب لحليف غير رسمي، ليتطور الأمر إلى مبادرات سعودية للتقارب مع الكيان الصهيوني عام 2008، وفعاليات التقارُب مستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم 2017.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشارت جريدة  التايمز البريطانية في تقرير نشرته في 17 حزيران 2017

إلى أن صهر الرئيس الأمريكي، الذي أصبح صديقاً مقرباً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد ناقش مع ابن العاهل السعودي تبني نهج لتحسين العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول الخليج، كبادرة نحو اعتراف كامل من قبل الدول العربية بـ«الدولة اليهودية». وذكر التقرير البريطاني أن إقامة علاقات اقتصادية بين تل أبيب والرياض لن تكون الأولى من نوعها في منطقة الخليج، فقد كان لدى الكيان الصهيوني في السابق مكتب تجاري في الدوحة قبل أن تقوم السلطات القطرية بإغلاقه في أعقاب العدوان على غزة عام 2008-2009. إضافة إلى ذلك، تحدثت تقارير حول لقاءات سرية بين مسؤولين إسرائيليين وسعوديين، وأنها تجاوزت السياسة إلى الاقتصاد ومنها إلى زيارات رجال المخابرات وأبرزهم اللواء السابق أنور عشقي الذي قام بزيارته الأخيرة للكيان الصهيوني في تموز 2016، وكان برفقته وفد من رجال الأعمال السعوديين، حيث التقى الوفد بأعضاء من الكنيست الإسرائيلي خلال تلك الزيارة، وتمحورت اللقاءات حول سبل مواجهة «الخطر الإيراني» سياسياً واقتصادياً.

غير أن المسؤولين السعوديين يرون أن عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني لا تتم إلا بعد تحييد القضية الفلسطينية أو الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، لأنها شرط النجاح لتشكيل أي حلف يكون الكيان الصهيوني جزءاً منه، وهي الشرط اللازم لإقامة تعاون مشترك معه بشكل علني ومكشوف، خشية الجماهير العربية التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتدافع عن القضية الفلسطينية، وتشكل عقبة حقيقية أمام تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. وقد أكد هذا الموقف ما جاء على لسان الأمير تركي الفيصل، الذي كان على مدى 22 سنة، حتى العام 2001، رئيس المخابرات في السعودية وبعد ذلك سفير بلاده في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، والذي سبق أن التقى في الماضي مع كبار سابقين في جهاز الأمن الإسرائيلي. وقد ظهر الفيصل إلى جانب نظيره رئيس الموساد الأسبق افرايم هليفي، في النقاش الذي أجري في كنيس «عمينو – ايل» في نيويورك، حيث أشار الكاتب الإسرائيلي يوسي ملمان في مقال له نشرته صحيفة معاريف في 13/11/2017  إلى تصريح أدلى به الفيصل قال فيه «رغم المصلحة المشتركة بين السعودية وإسرائيل في منع البرنامج النووي لإيران ومساعيها للهيمنة في المنطقة، فإن التعاون الحقيقي بين الدولتين لن يتاح إلا عندما تتحقق تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين». ودعا قائلا إن «ايران هي هدف مشترك لإسرائيل ولنا، وبالتالي تعالوا نشطب المسألة الفلسطينية عن جدول الأعمال». ويتفق هليفي مع هذا التصريح قائلاً «لا يوجد أي احتمال لعلاقات مع السعوديين دون حل للمشكلة الفلسطينية»، مؤكداً أن كل مبادرات الرياض في هذا الشأن رفضتها حكومات إسرائيل المرة تلو الأخرى. ويقول هليفي الآن بالذات توجد لإسرائيل فرصة أخرى لعمل ذلك.

في هذا السياق يُكثر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في خطاباته من الحديث حول العلاقات مع الدول العربية في الخليج أو الدول التي أبرمت اتفاقات تسوية مع الكيان الصهيوني، في محاولة إلى رفع مستوى حكومته والتباهي بانجازاتها الوهمية، لمواجهة خصومه وخلق الانطباع بأن الوضع الدولي لم يسبق أن كان أفضل وأن الأوضاع الأمنية الإسرائيلية في أحسن حالاتها، وأنه رغم الصراع الدائر بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني، ورغم الاحتلال والمستوطنات، تتمتع الحكومة الإسرائيلية بعلاقات ممتازة في العالم، وبالتالي لا حاجة إلى التقدم في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ولا حاجة إلى السعي إلى اتفاق سلام، وهذا هو النهج الذي يسير عليه نتنياهو ورفاقه في حزب «الليكود»، ويدعمه وزير التعليم نفتالي بينيت الذي يتزعم حزب «البيت اليهودي»، وكذلك وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي يرى أنه يمكن مواصلة الوضع الراهن إلى الأبد، بل وبين الحين والآخر العمل على تآكله وتقليصه وصولاً إلى تغييره، من خلال ضم أجزاء من الضفة الغربية توصف بالمنطقة «ج» بحسب تصنيفات اتفاق أوسلو. ويدعم هذه السياسة موقف وزير الدفاع السابق موشيه يعلون الذي يغازله رئيس حزب العمل آفي غباي رغم الهوة الآيديولوجية القائمة بينهما. ويروي يعلون أنه منذ قبل نحو عشر سنوات، بعد أن انضم إلى الليكود قال أن لا أمل في الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي من غير المجدي بذل الجهود في هذا الشأن. وبدلاً من ذلك يجب إسكان مليون مستوطن آخر في الضفة الغربية و«إدارة وصيانة» الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

أما على الصعيد الفلسطيني، فلا غرابة في موقف السلطة الفلسطينية الذي ينسجم مع مبادرات التعاون مع الكيان الصهيوني على كل المستويات، على الرغم من أن الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده يتابع بقدر متزايد من النفور لقاءات التفاهم والحوار المتزايدة مع الإسرائيليين، ويرفض التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني. ففي الثقافة السياسية الفلسطينية يعبر هذا المفهوم عن عمل مشبوه يخرج عن إطار المقاومة والكفاح، ويعتبر نوعاً من التعاون مع الاحتلال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى