شؤون العدو

خطوط المخطط الهيكلي السياسي والعسكري.. لمواجهة مستقبلية مع حزب الله

 بقلم: جدعون ساعر ورون تيرا

          مقدمة:

هذه الدراسة ستناقش ضمن امور اخرى النقاط التالية:

أولا، الاهمية الكبيرة التي يجب اعطاءها للسياق المتميز الذي من داخله ستندلع المواجهة، خلافا للاستناد الى تفاهمات شاملة والى تفعيل اوتوماتيكي لمخططات معدة مسبقا. ثانيا، سؤال هل يجب وضع اهداف لها صبغة سياسية للمواجهة و”ايجابية” (أي محاولة تشكيل الواقع السياسي من خلال مواجهة عسكرية) أو لاعتبارات واقعية وقيود القوة، والاكتفاء باهداف لها صبغة عسكرية و”سلبية” (مثل تقييد قوة وانتشار حزب الله)، ثالثا، ثلاثة عناصر جديدة تشكل الى حد كبير الساحة الحالية: تعزيز قوة حزب الله بسلاح دقيق وتعميق وجود ايران وحزب الله العسكري في سوريا وازالة الحدود بين لبنان وسوريا وايران ودخول روسيا الى سوريا. رابعا، الساحة الحالية تتميز بارتفاع درجة تحدي ايران وحزب الله لاسرائيل، وضمن امور اخرى بواسطة عملية تعاظم القوة العسكرية لايران في الاراضي السورية وانشاء بنية تحتية لانتاج سلاح دقيق في الاراضي اللبنانية. يمكن تفسير الصورة على أنها جهد لايران وحزب الله من اجل الوصول الى توازن استراتيجي امام اسرائيل في مواضيع محددة، وربما حتى الوصول الى القدرة على توجيه ضربة تمس بصورة شديدة بأنظمة حيوية (عسكرية ومدنية) في اسرائيل. هذه النشاطات تزيد من معقولية الدخول الى دائرة التصعيد، التي في نهايتها يمكن أن تندلع الحرب. اسرائيل ضعيفة بدرجة كبيرة مقابل السلاح الدقيق لأنها من جهة هي دولة غربية متقدمة، ومن جهة اخرى هي دولة صغيرة مع بنى تحتية مركزة. من النقاط السابقة يتبين أن اسرائيل يجب عليها وضع خطوط حمراء منها تزايد قوة حزب الله من خلال تزوده بالسلاح الدقيق، وخاصة انتاج صواريخ دقيقة على الاراضي اللبنانية. وكذلك انتشار مستقبلي في سوريا لمنظومات سلاح ايرانية نوعية (صواريخ ارض – جو متقدمة، صواريخ ساحل – بحر وصواريخ ارض – ارض)، وأن تكون مستعدة للتقدم تدريجيا في عملية التصعيد – كلما كانت حاجة الى ذلك – من اجل منع تعاظم القوة هذا.

خامسا، في النظرية القتالية وفي بناء القوة الحالية لاسرائيل وحزب الله، هناك علاقة قوية بين شدة ضربة حزب الله وبين الثمن الذي ستدفعه اسرائيل بسبب تلك الضربة. في الحقيقة هناك نوع من المعادلة المتناظرة بين عمق الاصابة لدى الطرفين في حالة المواجهة. هذه العلاقة تشكل اعتبارا مهما في تفضيل مواجهة “محدودة” (تحقيق اهداف محددة بتكلفة محدودة) على مواجهة شاملة، لكن هذا الامر يقتضي من جيش الدفاع الاسرائيلي تطوير قدرات تمكنه من اضعاف العلاقة بين شدة الاضرار بحزب الله وبين الثمن الذي ستدفعه اسرائيل مقابل هذا الضرر في مجالات مثل النظرية العملياتية وبناء القوة والاستخبارات.

          بين التحليل القاعدي والعلاقة الفريدة (غير المعروفة للمواجهة المستقبلية)

كل مواجهة عسكرية بالإمكان تحليلها بمستويين: الأول، الطبقة “القاعدية” – المعطيات الأساسية للأنظمة ذات العلاقة، والتي تواتر تغييرها بطيء. المستوى الثاني، السياق الخاص الذي تندلع المواجهة فيه (مثل من بدأ المواجهة، ماذا يحاول أن يحقق، وما هي الظروف)، حيث أن السياقات هنا ديناميكية ومتغيرة. ان السياق الذي تندلع فيه المواجهة المستقبلية مع حزب الله ليس معروفا اليوم، ولهذا فان التحليل محدود بطبيعته. مع ذلك يمكن اليوم مناقشة المعطيات الأساسية، سواء في السياقات الممكنة للمواجهة المستقبلية او بإمكانية فحص السياق الخاص لدى اندلاع المواجهة. بالإمكان الادعاء بانه حتى اتضاح السياق ليس هنالك فائدة من تحليل “شامل” للطبقة التأسيسية ولكنه مهم لانه من خلاله يمكن تحقيق فهم وخلق معرفة ولغة مشتركة سواء بين المستويات العسكرية وكذلك بين المستوى السياسي والعسكري. في شرح مبسط لاقوال آيزنهاور، المخطط المرتكز فقط على الطبقة التأسيسية لا يكفي، ولكن عملية التخطيط توفر فهما مشتركا بالغ القيمة.

ان الاختلافات ما بين عملية “عمود السحاب” و “الجرف الصامد” تمثل أهمية تشخيص السياق لكل واحدة من المواجهتين واللتان جريتا ضد نفس العدو في نفس الساحة وبفترة زمنية لا تزيد عن سنتين. يمكن ان نشير على سبيل المثال على حقيقة انه في وقت “عمود السحاب” كانت مصر تقاد من قبل الاخوان المسلمين. وفي أثناء عملية “الجرف الصامد” كان تقاد من قبل نظام السيسي. عملية “عمود السحاب” تركزت حول تشكيل قواعد اللعبة للفترة التي تليها وحول مواضيع اقتصادية ثانوية نسبيا (مثل صيد الأسماك أو العمليات الزراعية التي تجري بمحاذاة الحدود). وبالرغم من ذلك فان “الجرف الصامد” تميز بعزل قاسي لحماس وتركز حول مسألة صمودها الاقتصادي. ان أهمية العزلة والضائقة الاقتصادية لمنظمة حماس اتضحت تدريجيا في مستهل ربيع – صيف 2014، وربما أن التحليل الذي اجري قبل ذلك بكثير كان يصعب عليه كشف السياق المميز الذي ستندلع فيه حرب “الجرف الصامد”. من هنا تأتي الأهمية الكبيرة الواجب إعطائها للسياقات المتغيرة، وللحاجة لمعرفة السياق الخاص قبل اتخاذ قرارات حول تشكيل المواجهة.

ليس بالإمكان معرفة ماذا سيكون السياق الخاص للمواجهة القادمة مع حزب الله. ولكن النظر الى الفترة الأخيرة يظهر تغييرات سريعة في السياقات التي تنتج تصعيدا ممكنا: من زيادة قوة حزب الله بواسطة خطوط التزويد التي تمر في الأراضي السورية، مرورا بتعاظم قوة حزب الله في الأراضي اللبنانية (بما في ذلك انتاج سلاح نوعي في أراضيها) وحتى  الجهود التي يبذلونها في انتشار حزب الله وايران في سوريا. السياقات تتراوح ما بين لامبالاة روسيا وبين التحفظ من العمليات المنسوبة لإسرائيل وبين اللامبالاة للقتال من جانب النظام السوري تجاه التقارير عن خرق سيادة سوريا من قبل إسرائيل. السياق المتغير يؤثر على درجة الثقة الذاتية والجرأة لاعضاء “المحور” (ايران، حزب الله وحلفاؤهم) وعلى المستوى الذي يغرق فيه المحور في جبهات أخرى ويصعب عليه ان يطلب او بالعكس – ان يطلب فتح جبهة أخرى مع إسرائيل. كما أنه يتأثر من التغيير في الشرعية الدولية بالنسبة للنظام العلوي، ولحزب الله وايران كنتيجة لتطورات احداث الحرب الاهلية في سوريا والتطورات في الموضوع النووي الإيراني. حزب الله هو تنظيم ذو هوية مركبة، في جزء منه هو فرع إيراني وفي جزء آخر ممثل أصيل للشيعة اللبنانيين وذو إرادة مستقلة. في جزء من السياقات يجب أن نرى فيه كذراع لإيران، وفي جزء آخر كـ “شريك” مركزي في دولة لبنان. السياق الخاص يتم تحديده أيضا من مستوى الامن أو تحدي حزب الله داخل النظام السياسي اللبناني – الداخلي. من الممكن ان تندلع مواجهة في سياق خطأ في الحسابات، فشل في الاتصالات الاستراتيجية أو من دائرة تصعيد خرج عن السيطرة. وكما هو مفهوم من الممكن ان تحدث مواجهة مستقبلية في سياق خاص آخر ليس بالإمكان الان توقعه، ولكن يكون من الضروري فهمه في وقت حدوثه.

في كل سياق خاص يسعى الطرفان لتحقيق اهداف ونهايات – تشكل بدرجة كبيرة من هذا السياق. من هنا فان تشكيل السياسات وتشكيل الاستراتيجية والمعركة العسكرية تقتضي  تلاؤما وتكيفا مع السياق (وليس فقط اخذ قرارات حسب تحليل شامل للطبقة التأسيسية أو لتشغيل اوتوماتيكي لبرنامج عسكري معد مسبقا.

          السياق الحالي

السياق الخاص يتغير باستمرار، ليس بالامكان معرفة ماذا سيكون السياق الخاص في المواجهة القادمة. ومعرفته ربما ستكون المهمة الاكثر اهمية للتنفيذ مع اندلاع المواجهة. في وقت كتابة هذه السطور هناك ثلاثة امور تشكل ديناميكية الساحة، ولكن من المفهوم أنه ليس بالضرورة أن هذه المواضيع هي التي ستحدد السياق الخاص عند اندلاع المواجهة.

الامر الاول هو عملية تعاظم قوة حزب الله من خلال تزوده بالسلاح المتطور في دقته. في مقابلة مع نائب قائد الحرس الثوري الايراني مع الصحيفة الكويتية تم الاعلان ان ايران انشأت مصانع لانتاج سلاح نوعي على الاراضي اللبنانية. ورئيس الاستخبارات العسكرية أكد ان ايران اقامت بنية تحتية لانتاج سلاح دقيق في لبنان. ان السلاح الدقيق يضع درجة جديدة للتهديد النوعي بسبب قدرته على تشويش وحتى شل انظمة مدنية وعسكرية معينة في فترات زمنية طويلة، وان يحدث ضررا يقدر بمليارات الدولارات. انه ليس “شيء من نفس الشيء”. بالنسبة للسلاح الثابت، يمكنه الوصول الى درجة التهديد غير المحتمل من قبل اسرائيل. اسرائيل تقوم بتطوير رد هجومي ودفاعي على تهديد السلاح الدقيق. ولكن رد كهذا ليس ردا كاملا، ونسبة معينة من الصواريخ الدقيقة ستخترق عن طريقه.

يجب أن يوضح انه بمعان معينة فان اسرائيل شاذة في شدة اصابتها بهذا السلاح، لأنها من جهة دولة غربية لديها بنية اساسية حيوية متطورة، ومن جهة اخرى صغيرة وذات بنى حيوية مركزة. اذا فحصنا توليد الكهرباء في اسرائيل كمثال سنكتشف أنه من بين قدرتها على انتاج 17.6 ألف ميغاواط فان 28 في المئة يتم انتاجها فقط (التي تعمل فيها 10 وحدات انتاج – توربينات وما أشبه). في اكبر ستة مواقع لانتاج الكهرباء (بما فيها الخاصة) يتم انتاج 51 في المئة من قدرة الانتاج الوطني (بواسطة 26 وحدة انتاج فقط). لهذا فان الهجوم الذي يمثل عدد قليل من الصواريخ الدقيقة التي ستخترق البلاد مع كل هذا انظمة الدفاع الاسرائيلية وستصيب انظمة حيوية مثل انتاج الكهرباء، يجب أن يكون غير مسبوق. الصورة مشابهة ايضا في انظمة حيوية اخرى مثل انظمة ادارة الكهرباء القطرية، استقبالها، جلبها الى الشاطيء ونقل الغاز الطبيعي، تحلية مياه البحر (خمسة مواقع فقط توفر حوالي نصف مياه الشرب في اسرائيل) وامثلة اخرى كثيرة، سواء في المجال المدني أو المجال العسكري (الذي لن يفصل هنا).

حسب منشورات اجنبية، نجحت اسرائيل في أن تقلص بصورة كبيرة عمليات نقل السلاح الدقيق الى حزب الله عبر سوريا، ولوضع العراقيل امام الجهات التي تنفذه. ولكن في قواعد اللعبة الحالية اسرائيل امتنعت عن الهجوم في لبنان، ومهاجمة منشآت انتاج سلاح نوعي على الارض اللبنانية تعارض ذلك، كما يبدو. ان انتاج سلاح دقيق على الاراضي اللبنانية يشكل بالنسبة لاسرائيل تحولا حادا وخطيرا في قواعد اللعب. لهذا يجب على اسرائيل ان تحدد خط احمر لزيادة قوة حزب الله وتسلحه بالسلاح الدقيق، مع التركيز على انتاجه في لبنان، وان تكون مستعدة للتقدم في عملية التصعيد – اذا اقتضى الامر – من اجل منع زيادة هذه القوة. نظرا للمعطيات الاساسية للبيئة السياسية والعسكرية يمكن ان يقبل حزب الله وايران الخط الاحمر الاسرائيلي الجديد في اعقاب تصعيد السياسات أو تصعيد عسكري متبادل، ولكن قبل ان تصل الى شفا الحرب الواسعة. ولكن نظرا لخصوصية تهديد السلاح الدقيق، من الممكن أن تحتاج اسرائيل الى ان تكون مستعدة للتصعيد حتى الى درجة الحرب الكاملة من اجل احباط زيادة القوة هذه. يجب نشر معنى هذا التهديد في الساحة الجماهيرية وفي اللقاءات مع الحكومات ذات العلاقة، وبناء شرعية للجهود الرادعة.

علاوة على ذلك القدرات الحالية لحزب الله في مجال السلاح فائق الدقة تضع درجة تهديد جديدة، والى جانب قدرته المعروفة على الاستنزاف فانه يقوم بتطوير قدرته على تنفيذ ضربة نوعية. ان مواجهة النيران النوعية لحزب الله من شأنها ان تتحول الى الطابع الأساسي للمواجهة القادمة بثلاثة خصائص – استباقية (كذريعة للحرب) خلال المواجهة (كخاصية عملية) وبعدها (الهدف الاستراتيجي وكموضوع للتسوية في نهاية المواجهة) – وتعزيز الرغبة الموجودة من تلقاء ذاتها لتقصير أمد المواجهة بقدر ما يكون الامر عمليا.

الموضوع الثاني الذي يميز السياق الحالي هو دخول عناصر عسكرية إيرانية لسوريا. ان نشر أنظمة عسكرية مع وجود كوادر إيرانية تشغلها على الأراضي السورية (بالأساس تعاظم قوة ممكن في المستقبل في الأنظمة فائقة القدرة مثل أنظمة دفاع جوي متطورة (اس – 300 وما شابه)، صواريخ شاطيء – بحر/شاطيء وصواريخ دقيقة) من شأنها أن تضع درجة جديدة من التهديد النوعي، وزيادة حدة قلة التناظر في القدرة على التنفيذ المتبادل بين ايران وبين إسرائيل. لهذا على إسرائيل أن تفحص فيما اذا كان عليها تحديد خط أحمر لزيادة قوة ايران في سوريا. واذا تم تحديده – أن تكون مستعدة للتقدم بعملية تصعيد مهما تطلب الامر من أجل منع تعاظم قوة كهذه.

ان تعاظم قوة ايران في سوريا من شأنها ان تجبر إسرائيل على التعامل مع ساحات سوريا ولبنان كساحة واحدة. كما أن إسرائيل ستجبر على دراسة هل عليها مواصلة الرد على العملية الإيرانية بواسطة مبعوثين وقوات سرية في عملية بالأساس موجهة ضد الفروع – او العمل امام ايران بصورة مباشرة.

عمليتين من عمليات تعاظم القوة هذه لإيران وحزب الله – في سوريا وفي انتاج سلاح نوعي في لبنان – من شأنهما ان يدللا  على الدخول الى عهد جديد في مستوى تحدي “المحور” لإسرائيل. بامكانهما أن يتبديا كمحاولة من قبل ايران وحزب الله لخلق معادلة سياسية متناظرة امام إسرائيل، ان لم يكن اعلى من ذلك – الوصول الى قدرة نارية تمس بصورة جوهرية بانظمة حيوية عسكرية ومدنية في إسرائيل. وهكذا من الممكن ان التأجيل المؤقت والجزئي للبرنامج النووي الإيراني وفر المحفز لما يبدو وكأنه محاولة للوصول الى توازن استراتيجي امام إسرائيل في سياقات أخرى (بدرجة ما كتعويض عن تأجيل البرنامج النووي)، وهكذا تم خلق ديناميكا مصعدة.

هذان هما التطوران لزيادة القوة واللذان يضعان الأنظمة الإقليمية في مفرق طرق ويرفعان من احتمالية الحرب.

اذا امتنعت إسرائيل عن احباط عمليات زيادة القوة المذكورة وتواجه في المواجهة المستقبلية سلاحا نوعيا إيرانيا على أراضي سوريا وسلاحا دقيقا بأيدي حزب الله، فان الحديث يصبح عن تطور في المعطيات الأساسية وبتغير في الافتراضات الأساسية لمخطط المواجهة.

الموضوع الثالث الذي من شأنه ان يؤثر على السياق الخاص هو التورط العسكري لروسيا في سوريا، وعلاقاتها المركبة مع النظام العلوي ومع ايران ومع حزب الله. هذا التدخل هو أمر جوهري نظرا لان المواجهة في الجبهة الشمالية من شأنه ان يضم ساحة سوريا او ان ينحرف اليها للعديد من الأسباب. ايران وحزب الله يضعان قوات عسكرية في سوريا وهذه من شأنها ان تعمل ضد إسرائيل في حالة حدوث مواجهة في لبنان. إسرائيل نفسها يمكن أن تبادر بعملية ضد القوات الإيرانية او حزب الله في سوريا، وذلك في سياق تشكيل قواعد لعبة تقيد وضع قوات كهذه (مثلا منع وجود إيراني في هضبة الجولان السورية، او منع وضع أسلحة نوعية إيرانية مثل صواريخ ارض – جو اس 300 في سوريا. وكلما تعزز التعاون العملي للمحور وكلما زادت قوته العملية أيضا في سوريا هكذا ترتفع احتمالية انه في هذا السياق الخاص للمواجهة المستقبلية سيعتبر المحور كله كعدو (وليس فقط حزب الله) وستكون المواجهة متعددة الساحات. في مواجهة متعدد الساحات تشمل أيضا سوريا فمن المحتمل أن تخرج إسرائيل من معادلة التناظر في عمق الضرر في كلا الجانبين، والموجودة في المواجهة المحدودة للبنان فقط. إسرائيل ما زالت ستدفع ثمنا مشابها بسبب المواجهة ولكن ضررها في الجانب الاخر لا يقاس فقط بمفاهيم تحصيل ثمن منه بل أيضا بمفاهيم تغيير الواقع الاستراتيجي (والذي على ما يبدو هو أمر عملي بدرجة اقل في لبنان). خلافا للحالة اللبنانية، فان لإسرائيل قدرة على المس بصورة جوهرية بالقوات المدافعة عن النظام العلوي، وتهديده. ان امتداد الحرب الى سوريا، وفي حالات محددة أيضا حرب موسعة في لبنان تؤثر الى داخل سوريا، من شأنها ان تشوش محاولات التسوية الروسية في سوريا.

لهذا فمن جانب، يمكن أن تحاول روسيا ان تقيد حرية النشاط السياسي، الاستراتيجي وحتى العملي لإسرائيل. وبالمقابل، روسيا هي عنصر جديد يؤثر على سلوك كل الأطراف وعلى كبحهم وانتشارهم، وعلى خصائص التسوية الممكنة في سوريا وعلى أجهزة الانهاء الممكنة للمواجهة. الوظيفة الجديدة لروسيا في الساحة من شأنها أن تجبر إسرائيل وكذلك ان تمكنها من تحقيق إنجازات سياسية واستراتيجية أيضا بواسطة                                                  استخدام لمدة قصيرة، وبصورة محدودة ومتصاعدة تدريجيا، والذي يتداخل بمحادثات سياسية معروفة والولايات المتحدة – وربما انه في سياقات محددة فان مخططا كهذا يجب أن يكون الفكرة المخطط لها في نظرية المواجهة الإسرائيلية للمعركة الشمالية.

في الست معارك السابقة التي ادارتها إسرائيل من (حملة الحساب وحتى “الجرف الصامد”) فقد عملت بصورة مشابهة الى هذه الدرجة أو تلك، بدرجة متغيرة من النجاح. أيضا عندما أخطأت إسرائيل فان ثمن الخطأ كان محتملا بمفاهيم استراتيجية. ولكن دخول السلاح فائق الدقة ودخول روسيا من شأنها ان تغير من الأساس خصائص المواجهة القادمة. ولن يكون “السابع في الترتيب”. ربما ألا تستطيع إسرائيل ان تسمح لنفسها الانتظار في اتخاذ القرارات كما في الماضي، وثمن الأخطاء سيكون اعلى بدرجات.

 

 

الهدف السياسي – الاستراتيجي للمواجهة

القاعدة للتأطير السياسي – الاستراتيجي للمواجهة هو ان القرار متعلق بالسياق – ما هو العدو وماذا تريد إسرائيل ان تحقق منه في هذه المواجهة. العدو المفهوم ضمنا هو حزب الله، كما هو مفهوم، ولكن إسرائيل تستطيع ان تحدد العدو أيضا كدولة لبنان، والمبرر لذلك يزداد ويتعاظم كلما تحول حزب الله لـ “شريك” مركزي في لبنان. بالإمكان تحديد محور ايران حزب  الله وربما أيضا النظام العلوي كعدو – والمبرر لذلك يزداد ويتعاظم كلما وسع المحور الشيعي طموحات تمركزه في سوريا ومن أجل الخروج من معادلة الضرر المتبادل في مواجهة مقتصرة على لبنان فقط.

في ظروف محدودة بالإمكان تحديد “المستهدف” لمواجهة لا يوجد فيها عدو، بالأساس عندما تستهدف المواجهة العسكرية التأثير أيضا على تطورات دولية مثل التسوية في سوريا  أو إعادة تأهيل لبنان في ما بعد المواجهة. “مستهدف” كهذا من الممكن ان يكون دولة عظمى أو أوساط في المجتمع الدولي يؤثرون على تشكيل الساحة. أحد المجاهيل في هذه المعادلة، على الأقل في السياق الحالي هو عدم الوضوح بخصوص مواقف إدارة ترامب في حالة مواجهة في هذه المنطقة، وبقدر تبلور مواقف كهذه درجت القدرة لالغاء او لقضم القيود التي تحاول روسيا وضعها بواسطة التنسيق مع الولايات المتحدة.

الى جانب الانفتاح على السياق المستقبلي غير المعروف، فان تحليلا شاملا للطبقة الأساسية يظهر قيود تحدد التأطير السياسي الاستراتيجي الممكن بما في ذلك تحديد العدو واهداف المعركة.

يجب الاعتراف بأن لبنان يجد صعوبة في التأثير على تصرفات حزب الله. اساس المنطق في هجومه ينبع من تحوله الى ذخر لحزب الله، والحاجة اليه من اجل تحريك اجهزة انهاء المعارك، من اجل محاولة التأثير على عمليات اعادة تأهيله بعد المواجهة وليس محاولة أن يقوم لبنان بلجم حزب الله. هناك سبب لأن توضع امام لبنان مطالب في اطار الدبلوماسية المعلنة وخاصة كلما زاد حزب الله تدخله في الجيش اللبناني، من اجل الحصول على الشرعية الدولية لضرب لبنان.

إن فهم الطبقة الاساسية والاعتراف بقيود القوة وقيود الاحتمالات تبين ان هناك عدد محدود فقط من الرغبات (الايجابية) القابلة للتحقق، التي يمكن لاسرائيل الاعلان عنها من لبنان. معروف أن هدف الحرب هو دائما هدف سياسي، لكن في سياقات كثيرة يصعب تحديد هدف سياسي بحيث يكون اساسي وقابل للتحقق ايضا بثمن معقول. وبالتالي، عدم التأكد الاساسي لمواجهة عسكرية كهذه. إن اساس المطالب الحقيقية أنها مطالب سلبية وعسكرية – مثل ابطاء وتقليص تزايد القوة، تقليص انتشار ومنع نشاطات عدائية للطرف الثاني، التي هي غير محتملة في العادة (أي تشكيل قواعد اللعب).

يمكن اقتراح هدف تصفية حزب الله وتغيير الخارطة السياسية الداخلية في لبنان. لكن من المشكوك فيه اذا كان هذا الامر حقيقيا، وبالتأكيد ليس بأثمان محتملة. وحتى في حالة انتهاء صراع كثيف وطويل ستبقى الطائفة الشيعية عاملا هاما في لبنان، يمثلها حزب الله؛ حزب الله سيظل منظمة مسلحة ومشاكسة؛ ايران ستعيد تأهيل القوات العسكرية لحزب الله، على الاقل بمعنى معين، قدراته القتالية بعد اعادة التأهيل لن تقل عن قدراته عشية المواجهة. مع ذلك، يمكن أن هناك “هدفان ايجابيان” قابلين للتحقق. الاول، على الاقل تشويش العلاقة الجغرافية – الطبيعية بين الفضاء العلوي في سوريا والشيعي في لبنان. ونتيجة ذلك صعوبة الوصول وحرية الحركة للمحور. ثانيا، يمكن التأثير من خلال وسائل سياسية على شخصية الجسم الذي سيعيد تأهيل الدولة اللبنانية. ولكن مصلحة اسرائيل في اعادة تأهيل لبنان من قبل لاعبين مثل السعودية، لا تبرر شن الحرب، وهي فقط منتج ثانوي مرغوب لمواجهة ستندلع في سياق آخر.

معظم الرغبات والمطالب السياسية الحقيقية لحزب الله من اسرائيل هي “سلبية”: منع تدخل اسرائيل في جهود زيادة قوته وانتشاره (بالنسبة لايران منع محاولة اسرائيليين عرقلة الدخول الى الساحة، وكما هو معروف، ردع اسرائيل عن العمل ضد ايران، مثلا في المشروع النووي الايراني). حزب الله يسعى كما يبدو الى تدمير اسرائيل، أو على الاقل، الحصول على مزارع شبعا، لكن هذه طلبات غير قابلة للتحقق. في طبقات اكثر عمقا، احيانا يوجد للمحور الشيعي مصلحة لرسم خط مواجهة اسلامي اسرائيلي. وقيادة “المعارضة”، وهكذا لازالة آثار المواجهة الشيعية السنية. ولكن ايضا هذه المصلحة تصل الى درجة الرغبة في مواجهة مكثفة وفورية فقط في حالات التطرف.

اذا كان الامر بهذا الشكل، فان للطرفين رغبة “ايجابية”، حيوية وقابلة للتحقق ومقلصة (مثلا، ليس هناك ذخر ثمين يرغب فيه الطرفان مثلما كانت سيناء وقناة السويس بالنسبة لاسرائيل ومصر في 1973). لذلك يوجد للطرفين علامات تساؤل كبيرة بشأن معقولية الثمن المتوقع في حالة المواجهة بدرجة كبيرة. هذا عنصر يتسبب بالاستقرار ويكبح.

اهداف اسرائيل في مواجهة مستقبلية يتم تحديدها في الاساس مما ستحاول تحقيقه في السياق الخاص الذي فيه ستندلع المواجهة (مثال على ذلك منع تعزز قوة حزب الله بتسلحه بسلاح متطور، أو منع نشر منظومات سلاح ايرانية نوعية في سوريا). ولكن نظرة على المعطيات الاساسية تظهر عدد من الاهداف الشاملة التي يمكن ان تكون ذات علاقة بمعظم السياقات: تأجيل المواجهة القادمة، تشكيل قواعد لعب لفترة ما بعد المواجهة، تعميق الردع، سواء تجاه حزب الله أو تجاه طرف ثالث، المس بجاذبية نظرية الحرب لحزب الله (حرب قذائف وصواريخ مخبأة في اوساط السكان المدنيين)، تقليص التداعيات السياسية السلبية للمواجهة، اقليميا ودوليا، خلق شروط لتحديد تدخل ايران في اعادة تأهيل لبنان، ووضع قيود جديدة قابلة للتطبيق على قضية حرية الوصول البري في محور ايران – العلويين – حزب الله.

          تحديات لخطة عسكرية

الاستراتيجية العسكرية، وبعد ذلك الخطة القتالية، يتم وضعها، كما هو معروف، في السياق الخاص الذي ستندلع فيه المواجهة، من تحديد العدو والانجازات التي تريد اسرائيل تحقيقها من المواجهة وتحديد جهاز الانهاء والتعامل مع الجهود السياسية المخطط لها.

الافتراض “غير المؤكد” أن المواجهة القادمة في الجبهة الشمالية ستدار بالاساس امام حزب الله وعلى الارض اللبنانية، فان التحليل الشامل للطبقة الاساسية يوفر مفهوما عمليا في عدة سياقات. هكذا فان فحص تركيبة القوى ونظرية العمل للطرفين يظهر انه في هذا الوقت توجد علاقة وثيقة بين شدة الاضرار بحزب الله وبين الثمن العسكري والمدني الذي ستدفعه اسرائيل بسبب هذا الضرر. وهناك تشابه معين في الثمن والضرر في الطرفين اثناء المواجهة بينهما. وفي مواجهة شاملة فان الضرر المتبادل سيكون كبيرا.

في الوثائق النظرية تؤكد اسرائيل على الحاجة الى استخدام تفوقها العسكري من اجل هزيمة العدو. الهزيمة هي الغاء قدرة أو رغبة العدو في القتال ضدنا، حسب البرنامج المخطط من قبله. حزب الله أقيم بشكل متعمد على نموذج تشكيلة نيران شديدة الى جانب تشكيلة دفاعية ارضية، بحيث تكون هذه التشكيلات منتشرة ومبنية من “خلايا قتالية” مستقلة ذاتيا ومختفية، في الاساس داخل اماكن مأهولة، ومنتشرة في داخل لبنان. هذا النموذج تم اعداده للتصعيب على هزيمة المنظمة. مشكوك فيه اذا كانت قد نضجت القدرة على تنفيذ عملية “سريعة ومهذبة”، تنزع من حزب الله القدرة أو الرغبة في القتال. لهذا فان هزيمته متعلقة بتدمير عناصر قتالية كثيرة وفي مناطق واسعة (التي في معظمها اماكن مأهولة). إن تدمير كهذا ممكن، لكنه يحتاج الى وقت كبير للقتال، وثمنه العسكري والسياسي والمدني سيكون باهظا، وأخطاره كبيرة.

يستنتج من هذا أنه يجب توجيه الجهد الاساسي للجيش الى مجال الاستخبارات وبناء القوة والتخطيط العملياتي لاضعاف العلاقة بين شدة الضرر الذي سيلحق بحزب الله وبين الثمن المدني والعسكري الذي ستدفعه اسرائيل بسبب هذا الضرر. الجهد العسكري يجب أن يكون موجها لتطوير القدرة على زيادة شدة الاضرار بحزب الله من خلال تقليص الخسائر الاسرائيلية الى مستوى محتمل موجود ضمن المدى المتوقع لمتخذي القرارات في اسرائيل. وكل ذلك في فترة زمنية محددة وقصيرة. تحدي آخر للجهد العسكري هو مواجهة القدرة النوعية التي بناها حزب الله منذ 2006، بدء من الاختراق البري عن طريق الطائرات بدون طيار وصواريخ شاطيء – بحر/ وصواريخ ارض – جو وحتى مجال السايبر.

إن فحص المعطيات الاساسية يكشف أنه حتى المواجهة الواسعة لن تحقق انجازا “ايجابيا” ثمينا أو يغير بصورة دراماتيكية الواقع، سواء لاسرائيل أو حزب الله، إلا اذا كان السياق الخاص بالمواجهة يملي غير ذلك. لهذا من المحتمل أن تكون للطرفين مصلحة مشتركة في خفض ثمن المواجهة. ويمكن الافتراض ايضا أنه تقريبا في كل مخطط، أنه بعد مرور وقت كاف، ستقوم ايران باعادة تأهيل حزب الله، الامر الذي سيحافظ على مكانته السياسية، وعلى الاقل جزء من قدرته على القتال.

يمكن أن السياق الخاص الذي ستندلع فيه المواجهة يبرر عملية عسكرية واسعة من اجل هزيمة حزب الله، لكن على الاقل من التحليل الشامل يمكننا تعلم بعض الامور: هناك مستوى من التناظر في الضرر المتبادل في حالة حدوث مواجهة؛ هزيمة حزب الله متعلقة بالتدمير الواسع للعناصر المقاتلة، والثمن المتعلق بدرجة التدمير هذه؛ هناك صعوبة في تشخيص انجاز سياسي “ايجابي” وثمين يمكن تحقيقه بشكل جدي عن طريق مواجهة عسكرية كهذه، خاصة عندما يمكن الافتراض أنه بعد مرور فترة زمنية كافية على المواجهة ستقوم ايران بنفسها باعادة تأهيل، على الاقل جزء من قدرات حزب الله. الاستنتاج هو أن هناك مبرر ضعيف لتنفيذ مخطط مواجهة واسعة، والأصح هو الاكتفاء بمخطط محدود. أي بذل الجهود لتحقيق انجازات محدودة، يمكن تحقيقها وبأخطار محدودة. طالما أن الامر عملي وتحت السيطرة، هناك سبب لفحص وتفضيل مخطط مواجهة محدودة قبل اتخاذ قرار مواجهة واسعة. مخطط المواجهة الواسعة وثمنه يجب أن يكون مثاليا لعلاقته مع الهدف والسياق الخاص. وليس بالضرورة أن يكون كبيرا.

لقد وجد الجيش الاسرائيلي صعوبة في فرض نهاية سريعة في عدد من المعارك الاخيرة (عملية الجرف الصامد هي المثال الاكثر بروزا)، وعلى المستوى السياسي أن يطلب من المستوى العسكري – في مرحلة النقاش الذي يسبق المواجهة – تبرير كيف سيخلق تنفيذ المخطط الظروف لانهاء المواجهة. خاصة أنه يجب على المخطط العسكري أن يبرر لماذا يعتقد أن تنفيذ اطلاق نار أو هجوم بري كما هو مقرر، سيوجد الشروط لفرض نهاية للمواجهة. في الاوضاع التي يريد فيها حزب الله استمرار المواجهة (السؤال الاقل اهمية هو عندما يكون الطرفان معنيان بنهاية سريعة).

نقطة انطلاق التحليل هي أنه يمكن الافتراض أن اسرائيل تعظم انجاز الضربة النارية في فترة زمنية قصيرة في بداية المواجهة، الموجودة عندها في الفجوة بين استخدامها للنيران والانجاز المضاد لحزب الله باستخدام النيران (حتى لو ان نقطة العمل هذه يمكن أن تتغير طالما أن حزب الله لديه قدرة اطلاق دقيقة، ويمكنه أن يحقق في المستقبل تناظر أكبر في نوعية الاطلاق). خلافا للاطلاق، فان الهجوم البري يحتاج الى زمن كبير. في حالات كثيرة فان الهجوم البري بحجم مقلص لا يساعد في تحقيق اهداف المواجهة، في حين أن الهجوم البري الواسع يحتاج الى زمن وموارد وأثمان وأخطار هامة. مع ذلك، في سياقات محددة مثل منع تمركز حزب الله وايران في هضبة الجولان، تحريك انظمة انهاء أو تأثير على استخدام المحور في المعابر بين لبنان وسوريا – ربما أن هناك اهمية ايضا للهجوم البري بحجم مقلص.

نقطة انطلاق اخرى للتحليل هي أنه يمكن افتراض وجود صلة مباشرة بين مدة المواجهة وبين الثمن المدني والعسكري الذي ستدفعه اسرائيل. إن استمرار الحرب أو اضافة هجوم بري لضربة النيران من شأنه أن يؤدي الى تقليص الفجوة في ميزان الانجازات للطرفين. لهذا في الوقت الذي يتم فيه فحص امكانية اضافة مراحل هجمات برية واسعة أو زمن للمخطط العسكري، على المخطط العسكري الاثبات أن الاضافة الزمنية والجهود مبررة بمفاهيم التكلفة – الفائدة، السياق الخاص وتحقيق الهدف الاستراتيجي.

في حرب لبنان الثانية استطاعت اسرائيل أن ترفع جزء كبير من التهديد عن نفسها، الذي وجد في معظمه من الصواريخ قصيرة المدى، بواسطة عملية برية منظمة في جنوب لبنان. وهذا الامر لم يحدث في 2006. وفي اطار تطبيق العبر تم التأكيد على الحاجة الى العملية البرية وقوة الامكانيات ذات الصلة. ولكن من العام 2006 تغير طابع التهديد، والهجوم البري الذي كان مناسبا في ذلك الحين من شأنه الآن أن لا يعطي نفس النتيجة – على الاقل بمفاهيم ومصطلحات ازالة التهديد. بناء على ذلك يجب تحديد ما هو بالضبط هدف الهجوم البري على خلفية تغير المعطيات الاساسية في العام 2006، مع الاخذ في الاعتيار السياق الخاص الذي ستجري فيه المواجهة القادمة.

الخطة العسكرية يجب أن تشمل عدد من نقاط التوقف الممكن، التي يجب فيها فحص اذا كان يمكن انهاء المواجهة من خلال تحقيق الانجاز المطلوب دون الحاجة الى التقدم نحو المراحل القادمة للخطة. من المهم فحص اذا كانت هناك مصلحة متبادلة لاسرائيل وحزب الله في تحديد قوة المواجهة وعدم الوصول الى حرب كاملة. ولهذا يجب أن نكون منتبهين لسلوك وتصرفات حزب الله، ومخططه التنفيذي وتصريحاته. الخطة العسكرية يجب أن تشمل ايضا بديلا للمواجهة مع تحديد متبادل في الزمن والقوة، تحديد منافذ زمن واصغاء لفحص هذه الامكانية.

          انظمة انهاء

إن الرغبة في تقصير زمن المواجهة على فرض أن تعظيم التفوق في الاطلاق، تم تحقيقه في الايام الاولى للمواجهة (حتى لو كافتراض مؤقت يمكن أن يتغير في المستقبل)، الافتراض أن المواجهة ستنتهي دون حسم وأن الوقت الضروري لعمل انظمة الانهاء – كل ذلك يقتضي تحريك انظمة الانهاء على الفور، مع تحقيق الهدف الاستراتيجي المركزي. هذا الامر يتم تحقيقه احيانا في مرحلة مبكرة، وايضا عندما لا يكون هناك “صورة انتصار” يمكن تقديمها للجمهور في اسرائيل. امكانية أن المواجهة القادمة في المنطقة الشمالية ستكون متعددة الساحات وتشمل ايضا سوريا من شأنها أن توجد انظمة انهاء جديدة منها تلك التي يمكن تحريكها مسبقا وبشكل سريع.

إن تشخيص نظام الانهاء المناسب والناجع ضمن السياق الخاص للمواجهة يجب ان يكون موجودا في مركز النقاش بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، قبل حدوث المواجهة. وعلى المدى البعيد، عند البدء بها. في حالات كثيرة يجب السعي الى انهاء لا يتضمن اتفاقا خطيا، سواء بسبب أن الفترة الزمنية الاضافية للقتال مطلوبة للتوصل الى اتفاق خطي، أو بسبب فائدته الضئيلة في الواقع (مثلا قرار مجلس الامن 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية لم يتم تنفيذه فعليا).

          التحضير المسبق للرواية: رؤيا عسكرية وسياسية وجماهيرية

جزء كبير من الشعور باضاعة الفرصة التي رافقت المعارك الاخيرة نبع من التناقض بين الرسائل التي ارسلها المستوى السياسي والعسكري وبين افعالهم، على الاقل في جزء من الحالات افعال صحيحة تم النظر اليها وكأنها غير صحيحة أو غير ناجحة، لأن الرواية التي روتها اسرائيل لم تكن ملائمة لاعمالها، هكذا مثلا من حين الى آخر طرح أن اسرائيل تنوي تحقيق الحسم، رغم أنها لم تتبع خطة عملية يمكنها تحقيق الحسم. احيانا، اسرائيل لم توقف الحرب في نقطة مثالية بسبب غياب الرواية السياسية، أو الجماهيرية وأحيانا العسكرية التي تشرح هذا الايقاف.

إن مواجهة مستقبلية سينظر اليها على أنها ناجحة اذا حققت اسرائيل اهدافها الاستراتيجية في السياق المحدد، كما هو معروف، كيف يوفر التحليل الشامل لمعطيات اساسية قاعدة للتقدير أن المواجهة ستعتبر ناجحة اذا نجحت اسرائيل في صد عمليات تعاظم قوة معينة لحزب الله، ومحاولات اختراق معينة لايران في الساحة، كما تحدد مسبقا، وتحقق شرعية دولية لمواصلة منع جهود زيادة القوة حزب الله بعد المواجهة. وسيعتبر الهجوم ناجحا اذا نجحت اسرائيل في التوصل الى انهاء مبكر للمواجهة من خلال ضربة قوية لحزب الله ومن خلال تقليص اضرار اسرائيل الى درجة محتملة كما حددت مسبقا. وسيعتبر الهجوم ناجحا اذا لم ينحرف الاحتكاك مع روسيا من الافتراضات التي وضعها المستوى المخطط والمصادق. مع ذلك، يجب الافتراض أن المواجهة القادمة ايضا لن تنته بصورة مهذبة، وأن اسرائيل لن تكون بالضرورة هي التي تطلق الرصاصة الاخيرة. وأن حزب الله لن يهزم وهو سيواصل الاحتفاظ بقدرة اطلاق هامة ويقدم رواية تظهر أنه المنتصر.

المواجهة ستعتبر ناجحة اذا كانت حرية الحركة والوصول الى محور ايران – العلويين – حزب الله تقلصت الى مستوى يتم فيه ابعاد ايران عن اعادة تأهيل لبنان، واذا كان الردع الاسرائيلي قد زاد وأبعد المواجهة القادمة. هذه رواية “المتقدمين” البالغين، وليست رواية المبتدئين، ويجب الاعداد لها مسبقا. ومن اجل خلق شمولية في الجانب الاسرائيلي خلق رواية مناسبة مسبقا للمستوى السياسي والعسكري والجماهيري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى