شؤون العدو

خطة بن غوريون قلبت رأسا على عقب

 بقلم: أوري افنيري – هآرتس

أنا أكره الحقائق المفهومة بذاتها. القيم يمكن أن تفهم بذاتها، لكن التصريحات السياسية لا تفهم بذاتها في أي يوم. عندما أسمع مقولة سياسية مفهومة بذاتها، أبدأ بالشك.

الحقيقة السياسية المفهومة جدا بذاتها في هذه الاثناء تتعلق بايران. فهي عدونا اللدود وهي تريد ابادتنا، لذلك يجب علينا تدمير قدراتها قبل ذلك. من الواضح أن الاتفاق النووي بين ايران والدول الخمسة الاعضاء في مجلس الامن اضافة الى المانيا، هو تهديد فظيع. كان يجب علينا اصدار الأوامر لقادة الولايات المتحدة من اجل قصف ايران بالقنابل النووية وأن لا نبقي منها شيئا. وفي الحالة غير المعقولة جدا وهي أن يرفض الامريكيون مطالبنا، كان يجب علينا قصف ايران بأنفسنا، قبل حصول آيات الله على الوسائل التي تمكنهم من تدميرنا.

كل هذه حقائق مفهومة من تلقاء ذاتها. ولكن حسب رأيي، هي كلام فارغ وتفاهات، لا يوجد فيها أي شيء مفهوم بذاته، ولا يوجد فيها أي أساس للمنطق، ولا يوجد فيها اساس جيوسياسي وتاريخي وعملي. نابليون قال ذات مرة اذا أردنا فهم سياسة دولة معينة، فيجب علينا النظر الى الخارطة. الجغرافيا مهمة أكثر من الايديولوجيا، حيث أن الايديولوجيات تتغير مع الوقت، في حين أن الجغرافيا لا تتغير. الدولة الايديولوجية المتعصبة جدا في القرن العشرين كانت الاتحاد السوفييتي. فقد كرهت جدا سابقتها روسيا القيصرية، وتكرهها وريثتها روسيا فلادمير بوتين. ولكن انظروا الى الامر المدهش: القياصرة، ستالين وبوتين ايضا يتبعون نفس السياسة الخارجية. وكارل ماركس سيتقلب في قبره.

عندما ظهر بنو اسرائيل في التوراة، كانت ايران دولة حضارية. الملك قورش قام بارسال اليهود الى القدس وأسس ما سمي “الشعب اليهودي”. وحتى الآن اليهود مدينين له بالعرفان. عندما أقيمت دولة اسرائيل في 1948 رأى بن غوريون في ايران حليفة طبيعية، والآن هذا يبدو غريبا، كيف أنه حتى وقت قريب كانت ايران الدولة الاكثر تأييدا لاسرائيل في الشرق الاوسط. بن غوريون كان سياسيا عرف كيف يقرأ الواقع، وهو لم يكن ينوي صنع السلام مع العرب، لأن السلام  كان مقرونا بترسيم الحدود ويمنع اسرائيل من التوسع، لذلك، بحث عن حلفاء من خارج العالم العربي.

لقد نظر بن غوريون الى الخارطة ورأى أن العرب المسلمين محاطون بكيانات غير عربية أو غير اسلامية. فقد كان المارونيون في لبنان (غير المسلمين) وتركيا (اسلامية غير عربية) والاكراد (مسلمون غير عرب) وايران (اسلامية غير عربية) واثيوبيا (غير عربية وغير اسلامية) وغيرها. على خلفية هذه الخارطة وضع بن غوريون خطة كبيرة: “حلف الضواحي”. وهذا كان شراكة لكل الكيانات المحيطة بالعالم العربي، وهي كيانات خشيت من القومية العربية لجمال عبد الناصر المصري وشركاءه في العالم الاسلامي السني. أحد أكبر المتحمسين لهذه الفكرة كان الشاه الايراني الذي تحول الى واحد من الاصدقاء المقربين لاسرائيل.

“ملك الملوك” كان ديكتاتورا عنيدا، ومعظم رعاياه كانوا يكرهونه، لكن في عهده تحولت ايران الى وطن آخر لاسرائيليين كثيرين. طهران تحولت الى مركز لرجال اعمال اسرائيليين، الذين أصبح البعض منهم أثرياء جدا. خبراء في الشباك قاموا بتدريب الشرطة السرية المكروهة في ايران، التي تسمى “سباك”. ضباط كبار في جيش الدفاع الاسرائيلي تنقلوا بحرية عبر ايران الى المنطقة الكردية في العراق ودربوا هناك قوات البشمارغا، وهي القوات الكردية التي حاربت نظام صدام حسين في العراق. معروف أن الشاه نفسه لم يحلم بمنح الاستقلال للمنطقة الكردية في ايران. هذا النعيم انتهى فجأة عندما قرر الشاه تسوية اموره مع صدام حسين لانقاذ عرشه الملكي، إلا أن ذلك لم يساعده. آيات الله (رجال الدين الشيعة) الذين كانوا يحظون بشعبية كبيرة قاموا باسقاط الشاه ومملكته، وانشأوا بدلا منها الجمهورية الاسلامية الشيعية. واسرائيل بقيت في الخارج.

مع كل ذلك، هل ايران الشيعية هي عدو فظيع لاسرائيل؟ أشك في ذلك. وكدليل على ذلك، عندما كان تحريض آيات الله ضد اسرائيل في ذروته، تم تنفيذ صفقة غريبة بين ايران واسرائيل. وقد سميت “ايران كونترا”، وكان أساسها: سياسيون امريكيون ارادوا تزويد السلاح لمتمردين يمينيين في نيكاراغوا، التي كان اليسار يسيطر عليها. القانون الامريكي منع ذلك. لذلك توجهوا الى اسرائيل. اسرائيل وفرت السلاح لآيات الله – نعم – وحصلت على الثمن. وهي نقلت الاموال لاصدقائنا في واشنطن الذين قاموا بنقله الى الارهابيين اليمينيين في نيكاراغوا، الذين سموا “كونتراس”. خلال هذه القضية سافر صديقي عميرام نير، الذي كان في حينه موظف في الحكومة، الى طهران والتقى هناك مع آيات الله. عندما يناسب الامر اهدافهم، فان آيات الله كانوا يعقدون بدون تردد الصفقات مع اسرائيل، التي هي نفس “الشيطان الاصغر”. ايران كانت بحاجة للسلاح الذي قامت اسرائيل بتوفيره لها، لأنها كانت في حالة حرب ضد صدام حسين في العراق. اسرائيل ساعدت ايران في تلك الحرب لأنها خشيت من صدام حسين. لذلك ساعدت اسرائيل ايضا في دفع الولايات المتحدة لمهاجمة العراق. وقد نجح هذا الغزو أكثر مما هو متوقع، حيث تم تدمير العراق، وكذلك ايضا الحاجز التاريخي أمام دخول ايران الى الشرق الاوسط.

هذا يبدو مثيرا. خطة بن غوريون الكبيرة وقفت على رأسها: في هذه الاثناء “الضواحي” للبنان وايران، بمساعدة تركيا، هي العدو الاكبر لنا، في حين أن الكتلة الاسلامية السنية (السعودية ودول الخليج والاردن ومصر) هي الصديقة المكشوفة لنا أو شبه السرية.

لقد سمعت قاريء نفد صبره وهو يصرخ: ما هذا الهراء؟ ماذا عن الخطر النووي؟ ماذا لو أن آيات الله المجانين حصلوا على القنبلة النووية وقاموا بابادتنا؟ أنا لا أخاف، ايضا اذا حصلت ايران على القنبلة النووية فسأنام بهدوء. لماذا؟ لأن اسرائيل لديها سلاح نووي ولها قدرة على الضربة الثانية. قصف اسرائيل يعني ايضا تدمير ايران. يمكن أن حكام ايران الحاليين هم متعصبون مجانين (أشك في ذلك)، لكنهم ليسوا انتحاريين. لا توجد أي اشارة واحدة تشير الى هذا الاتجاه. لهذا يبدو أنهم بالتحديد اشخاص منطقيين جدا.

لماذا اذا يسمع الايرانيون تهديدات مخيفة على اسرائيل؟ يوجد لهم سبب منطقي: انهم يأملون أن يصبحوا قوة رائدة في العالم الاسلامي، والطريق الاسهل لذلك هي شتم اسرائيل. طالما أن اسرائيل لم تصنع السلام مع الفلسطينيين فان الشعوب العربية في كل مكان ستكره اسرائيل. قادة ايران الحاليين أفضل بكثير في اسماع الشتائم عن “الشيطان الاصغر”. كما أن هناك خبراء يصادقون على أنه في الآونة الاخيرة ضعفت مكانة الاسلام في ايران وبدلا منه تعززت مكانة القومية الايرانية. عبادة الملك قورش الذي سبق النبي محمد بـ 1200 سنة، آخذة في الانتشار.

اضافة الى ذلك: منذ اكتشفت القنبلة النووية، لم تهاجم أي دولة نووية دولة اخرى لديها سلاح نووي. الهجوم على دولة نووية معناه الانتحار. حتى أن الولايات المتحدة “الشيطان الاكبر” لا تتجرأ على مهاجمة كوريا الشمالية الصغيرة بعد أن حصلت الاخيرة بحكمة على السلاح النووي.

لذلك أنا سأنام بهدوء حتى لو اصبحت ايران دولة نووية، ولكن عين من عيني ستبقى مفتوحة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى