حوار الحقوق كاستراتيجية فلسطينية
بقلم: ليران أوفك
السلطة الفلسطينية موجودة الآن أمام ازمة حقيقية: الجمهور الفلسطيني يعتقد أن القيادة ضعيفة ولا حاجة اليها، والبنية السياسية تعاني من الانقسام السياسي والايديولوجي العميق والصعب. ويشعر المجتمع الفلسطيني أنه ليس هناك يد موجهة. معطيات استطلاع الرأي الذي أجري في كانون الاول 2015 في المركز الفلسطيني للسياسات والاستطلاعات برئاسة خليل الشقاقي، أظهرت أن 75 في المئة من المستطلعين يؤمنون أنه باستطاعة السلطة الفلسطينية اقامة الدولة الفلسطينية في السنوات الخمسة القادمة، حسب حل الدولتين. وأمام الوضع القائم الذي يتميز بخيبة الأمل من العملية السياسية بقيادة محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وفي ظل فشل المقاومة العنيفة بقيادة حماس، فان طريقة حوار الحقوق تُطرح كبديل.
حوار الحقوق الذي يركز على اعادة تأطير الصراع القومي مع اسرائيل كصراع لتقرير المصير لجميع الفلسطينيين أينما كانوا، يهدف الى الضغط على اسرائيل من اجل تغيير سياستها من الموضوع الفلسطيني وترسيخ حقوق الفلسطينيين في اطار حل قومي، كهذا أو ذاك. قادة حملة الـ بي.دي.اس في الساحة الفلسطينية يحاولون بث الروح في هذا منذ عقد. في السنتين الاخيرتين بدأت مراكز ابحاث ومجموعات فكرة فلسطينية في الحديث عن ضرورة بلورة استراتيجية قومية جديدة تستند الى هذا الحوار. الادعاء هو أن حوار الحقوق سيمنح الفلسطينيين أفضليات غير موجودة لديهم الآن. اذا تم تبني هذه الاستراتيجية فهي ستؤثر الى حد كبير على دولة اسرائيل والسلطة الفلسطينية ايضا.
من صراع لأجل الحل السياسي الى صراع من اجل الحقوق
حوار الحقوق في السياق الفلسطيني ليس جديدا وقد شكل دائما جزء من الموقف الفلسطيني، من قبل جهات رسمية وغير رسمية. منذ 2004 وهذا الحوار يوجد في اطار الـ بي.دي.اس. قادة الحملة يطالبون اسرائيل بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال وتفكيك الجدار الامني ومنح حقوق متساوية وكاملة لعرب اسرائيل واحترام عودة الفلسطينيين حسب قرار 194، للجمعية العمومية للامم المتحدة.
من يؤيدون حوار الحقوق يصفون اسرائيل كدولة فصل عنصري تخل بالحقوق. وفي المقابل يعملون على الحفاظ على حقوق الفلسطينيين أينما كانوا، وليس من اجل هذا الحل السياسي أو ذاك للصراع الاسرائيلي الفلسطيني. الحديث يدور عمليا عن التخلي عن اتفاقات اوسلو والسعي الى اتفاق الدولة ثنائية القومية التي يحظى فيها الفلسطينيون بالحقوق الكاملة.
ورغم أن استراتيجية التركيز على الحقوق الفردية والجماعية للفلسطينيين لم تحظ بالاهتمام من قبل مراكز الابحاث والمجموعات الفكرية في الساحة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، إلا أنه منذ عام 2014 بدأت مجموعتان كبريان في مناطق السلطة – المجموعة الفلسطينية للتفكير الاستراتيجي ومركز ابحاث مسارات – بالاهتمام بضرورة بلورة سياسة تستند الى حوار الحقوق من اجل تغيير موازين القوى في وجه دولة اسرائيل عن طريق تأطير الصراع كنضال ضد الاحتلال والكولونيالية. حسب اقوالهم. لذلك تم اقتراح الانتقال من حوار الاتفاق السياسي وبناء المؤسسات الى حوار الحقوق، وهو الامر المقبول على قادة حملة الـ بي.دي.اس ضد اسرائيل.
حسب ادعاء اصحاب حوار الحقوق، من بين مجموعات التفكير الفلسطينية، فان تبني هذا الامر ينبع من التقديرات بأن العملية السياسية لن تؤدي الى الحل السياسي، بل الى الحفاظ على السيطرة الاسرائيلية على الارض وتعميق الانقسام في الساحة الفلسطينية. لهذا فان التركيز على اقامة مؤسسات وطنية فلسطينية والتوصل الى اتفاق من خلال المفاوضات على أساس حل الدولتين هو أمر خاطيء ومضلل. وبدلا من ذلك، حسب رأيهم، يجب التركيز على السياسات التي تسعى الى تحقيق الاهداف التالية: أ. تحقيق حرية تقرير المصير للفلسطينيين أينما كانوا. ب. انهاء الاحتلال وازالة الجدار الامني والدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية لجميع الفلسطينيين وللعرب في اسرائيل. ج. عودة اللاجئين حسب قرار 194 للامم المتحدة. هذه الطريقة تهمل فكرة اقامة الدولة الفلسطينية وتغلب عليها النضال من اجل الحقوق. صحيح أن مؤيدي هذه الفكرة لا يعارضون استمرار العملية السياسية، لكنهم يعتقدون أن اسرائيل لن توافق على المطالب الفلسطينية من البداية. لذلك هم يفضلون التركيز على الضغط من اجل الحصول على حقوق بدلا من التوصل الى حل سياسي كهذا أو ذاك.
السياسة التي تعتمد على حوار الحقوق من شأنها، حسب رأيهم، تقديم عدة افضليات منها: أ. تعريف الصراع على اساس معيار واحد هو حقوق الانسان، الامر الذي سيُمكن الفلسطينيين من تصوير السياسة الاسرائيلية على أنها غير عادلة وغير شرعية، وأنها علاقة بين المحتل والواقع تحت الاحتلال. وبهذا الشكل يمكن تجاوز الفجوات القائمة بين الاطراف ووضع الادعاءات الاسرائيلية التي تدعم هذه الفجوات في موضع التحدي. ب. حوار الحقوق سيُمكن من استخدام القانون الدولي ووسائل قضائية وقانونية اخرى من اجل محاكمة اسرائيل بسبب إضرارها بحقوق الفلسطينيين، والضغط على دول اخرى من اجل قطع علاقاتها معها على اعتبار أنها دولة لا تحترم القانون. ج. حوار الحقوق سيعزز الوحدة الفلسطينية الداخلية ويخلق الاجماع حول مبدأ مقبول. اضافة الى ذلك، فان الاستراتيجية التي تعتمد على حوار الحقوق ستُمكن من تقليص الفوارق بين الفلسطينيين وبين العرب الاسرائيليين، والسعي الى دمجهم في صراع الحقوق الفلسطينية.
الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التي تركز على قبول واقع الدولة ثنائية القومية تناقض فكرة وجود السلطة الفلسطينية وفكرة الدولة الفلسطينية. وهي تناقض موقف السلطة ايضا التي تريد حسب اقوال عباس، التوصل الى اتفاق مع اسرائيل. وتعارض المقاطعة وفرض العقوبات عليها (خلافا لمقاطعة المستوطنات) كما تطالب حركة المقاطعة. وصحيح أن الشارع الفلسطيني ليس ناضجا بعد من اجل الموافقة على استراتيجية كهذه. فاستطلاع مركز “أوراد” في رام الله في شباط 2016 اظهر أن اكثر من نصف الجمهور الفلسطيني يؤيد تصريحات عباس التي تقول إنه لا بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية. لذلك فان حل السلطة غير مطروح. وفي المقابل، مؤيدو حوار الحقوق يزعمون أنه يجب الدمج بين الصراع من اجل الحقوق مع مسألة الاتفاق من اجل الضغط على اسرائيل وعلى المجتمع الدولي للتوصل الى اتفاق. على ضوء حقيقة أن الحديث يدور عن رؤى مختلفة، في الجوهر وفي الاهداف، تناقض بعضها، ليس واضحا كيف يمكن الدمج بنظرة واحدة تقوم بالضغط على اسرائيل دون العمل ضد مصالح القيادة الفلسطينية.
إن حوار الحقوق يعتبره محمود عباس والقيادة الفلسطينية تحدٍ يجب استيعابه بواسطة خطوات محدودة مثل تبني الخطابات التي تدعي أن سياسة اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة غير شرعية، أو مقاطعة منتجات اسرائيل في مناطق السلطة فقط. خطوات كهذه من شأنها اجراء مصالحة في الرأي العام الداخلي الذي ينتقد منطق الاتفاق، هذا دون تغيير الموقف الفلسطيني الاساسي بطريقة تضر بالتأييد الدولي الواسع لاقامة الدولة الفلسطينية حسب حل الدولتين. هناك احتمال بسيط بأن تقوم السلطة الفلسطينية في بلورة سياسة تعتمد على حوار الحقوق. لكن تأييد استراتيجية تعتمد على حوار الحقوق آخذ في الازدياد عند الذين يؤثرون على الرأي العام في فتح وخارجها. استخدام حوار الحقوق قد يمنح الفلسطينيين افضليات لأنه معروف ومقبول على الاوساط الليبرالية في اوروبا واماكن اخرى في العالم وهو يشكل الاساس لعكس صورة سلبية لاسرائيل في المجتمع الدولي. ومع ذلك يجب علينا التذكر أن الذهاب الى حوار الحقوق يعكس خيبة الأمل لدى المعسكر الفلسطيني الذي يؤيد الاتفاق السياسي مع اسرائيل على أساس حل الدولتين، ويشكل عودة تدريجية الى الموقف التقليدي لـ م.ت.ف الذي أيد الدولة الديمقراطية الواحدة. وعلى ضوء الجمود السياسي المتواصل يزداد الجمهور الفلسطيني الذي يعتبر حل الدولتين غير قابل للتحقق.
من المهم متابعة حوار الحقوق الذي يتطور في الساحة الفلسطينية. وبعد توصيات تأتي في الآونة الاخيرة من مراكز ابحاث فلسطينية. تحليل مركبات هذا الحوار يثبت أن عمليات العمق في المجتمع والسياسة والقيادة الفلسطينية، قد تضطر اسرائيل الى أن تجد نفسها بدون شريك للمفاوضات – ليس فعليا فقط بل نظريا ايضا.