شؤون العدو

حرية التفكير

 بقلم: أودي سيغال – معاريف

هذا المساء، في الوقت الذي يحتفل فيه معظم شعب اسرائيل بليل الفصح ليقرأ الاسطورة في شؤون العبودية والحرية، لن نتمكن تماما من الميل الى اليمين والارتياح في مطارحنا. فالميل الى اليسار تبين في هذه الاثناء كفشل تفضل حكومة اسرائيل ان تبقيه في الخزانة، والفلسطينيون لا ينجحون في الاقناع بان له امل على الاطلاق في العودة الى الحياة. فانعطافة اسرائيل الحادة يمينا تجلبنا في الفصح الى التفكير في عدة مسائل اساسية. كيف نكون اذكياء، فنمتنع عن الشرور التي عانينا منها على مدى اجيال، الا نكون لا سمح الله سذجا أو امعات وبالاساس الا نكون كمن ذاك الذي لا يعرف كيف يسأل. إذ ان هذا الاخير هو ما يميزنا مؤخرا اكثر فأكثر.

سكان غزة يتحدون في هذا العيد. فبعد تسخين داخلي لحماس، بمساعدة انهيار خطوة المصالحة الداخلية، فان قدر القطاع يغلي. وهو يعتمل، واجزاء منه بدأت تتسرب الينا الى الصالون. الفلسطينيون يفكون ارتباطهم عن فك الارتباط. في الايام الاخيرة اجتياز أفراد للجدار ثقب وهم الفقاعة الاسرائيلية واسطورة الجدار، تلك التي تدعي بانهم هناك ونحن هنا. الجدار ليس محكما، والحدود قابلة للتسلل ولا يمكن ان تكون حياة طبيعية عندما يكون الجحيم في الطرف الاخر. نحن نعرف هذا منذ سنين، على وعي به ونحاول المساعدة، ولكن هذا لا يكفي. والنتيجة هي الغليان.

بروح العيد وقبيل احتفالات السبعين للدولة نحن ملزمون بان نسأل انفسنا ماذا تريد اسرائيل في النهاية من الفلسطينيين: الزواج أم الطلاق؟ هذا سؤال أساس يبدو ظاهرا انه حسم: اسرائيل تريد الطلاق من الفلسطينيين. الانفصال، فك الارتباط، قول سلاما واذا كان ممكنا القاء المفتاح. هي ببساطة لا تنجح. خطط اليسار للانفصال اعتبرت كخطى عابثة ساذجة، ولكن الغاية هي الانفصال. بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت هما ايضا يتحدثان عن الانفصال، ولكنهما غير مستعدين لاتخاذ خطوة عملية تسمح بذلك.

الاحساس بان الفلسطينيين هم مشكلة هامشية، طفيفة، غير مثيرة للاهتمام وزائدة هو احساس عابث، مشكلة اسرائيلية داخلية لن تتبخر ولن تختفي. في منظومة القوى العملية لا يمكن لاسرائيل أن تنتظر الى أن تبلور الولايات المتحدة لنا خطة اخرى كي نتمكن من رفضها. على اسرائيل أن تبادر، أن تصمم حدودها وخطوطها الحمراء وان تحفض انجازات الاستيطان والصهيونية. هذا ليس لان المسيرة المخطط لها ستفكك اسرائيل، بل هي مجرد مؤشر أولي للتشكيك بالفرضيات الاساس التي تثبتت هنا.

سؤال آخر لا نعرف كيف نسأله هو كيف التصدي للانهيار في غزة. المعضلة هنا حادة وقاسية: هل نقدس الاتصال الوحيد مع السلطة الفلسطينية رغم أن ابو مازن لا يسيطر في القطاع ويدفعه نحو مصيبة انسانية، ام نتجاوز رئيس السلطة ونقيم قناة اتصال مباشرة مع حماس. عمليا اختارت اسرائيل بصمت وعبر الاقنعة الخيار الثاني. ولكن واضح أن هذا خيار صعب وغير مستقر. كما أنها تقيم اتصالا مع قطر في محاولة للتأثير على الوضع في القطاع، ولكن هذه مجرد شرارة اولى لامكانية اكبر تمتنع اسرائيل عن قيادتها.

كل الخطوات السياسية التي كان يفترض أن تحصل بعد فك الارتباط عن غزة قبل قرابة 13 سنة لم تنفذ، ونحن ننظر الى النتائج. لا الاعمار مقابل التجريد. لا “غزة أولا”. كل الشعارات بقيت في الجارور.

سؤال أساس آخر هو اذا كان من الافضل اطفاء الحرائق بين الحين والاخر مثلما يطيب لرئيس الوزراء عمله، وعدم المخاطرة بخطوات كبرى وهازة لها ثمن جسيم وفرص في الفشل. فالواقع يبين ان نتنياهو نجح بهذه السياسة في الابقاء على انجازات اسرائيل بثمن متدن نسبيا وحافظ اساسا على استقراره هو نفسه، إذ انتخب للمنصب المرة تلو الاخرى.

دولة ناقص

هذا السؤال ينبغي أن يفحص من جديد في ضوء النتائج التي عرضها هذا الاسبوع معهد بحوث الامن القومي، ثمرة البحث المعمق عن السيناريوهات المحتملة حيال الفلسطينيين. وتتداخل الاستنتاجات في المعطيات التي تتحدث هذا الاسبوع عن تغيير المعادلة الديمغرافية: يوجد تعادل بين العرب واليهود بين النهر والبحر. وان كان لا يوجد يقين بالنسبة لصحة الاعداد وهناك الكثير من الشكوك، هذه دعوة تحذير، اشارة هامة تشجعنا على السؤال اذا كنا نفهم الى اين ستؤدي بنا سلسلة القرارات الموضعية الناشئة في هذه اللحظة في الصراع داخل اليمين في السياسة الاسرائيلية.

“سيناريو ضم بحجم واسع سيتسبب باحتمالة عالية جدا بسلطة فلسطينية معادية أو متفككة طوعا لسيادة متعاظمة من حماس بل وتعزيز لجهات سلفية بل وسيشكل خطرا على حكم جهات معتدلة نسبيا مثل فتح في الساحة الفلسطينية”، كتب في مقال نشره معهد بحوث الامن القومي. “سيناريو ضم، ولا سيما اذا كان أوسع، معناه انزلاق تدريجي الى واقع الدولة الواحدة واحباط امكانية تحقيق فكرة الدولتين للشعبين.

“استمرار النظام القائم يعتبر خيارا عمليا أكثر، مع الاخذ بالاعتبار للميول في المعسكر الفلسطيني وفي الشرق الاوسط بشكل عام وكذا في ضوء الوضع السياسي في اسرائيل. ولكن رغم ان هناك من يسمي النظام القائم الوضع الراهن فانه ليس وضعا دائما على الاطلاق، إذ انه كل يوم تتقرر حقائق تجعل من الصعب في المستقبل تطبيق تسوية بين اسرائيل والفلسطينين بميل الانفصال الى كيانين منفصلين. الى جانب سيناريوهات الضم معناها احتمال عال للانزلاق الى واقع الدولة الواحدة – دون اعلان نوايا ودون استيضاح المعايير.

“في كل السيناريوهات، باستثناء سيناريوهي الدولة الواحدة، ستكون لاسرائيل مصلحة حيوية في وجود سلطة فلسطينية مسؤولة، مستقرة ومؤدية لوظائفها بنجاعة، يجري معها تعاون امني، يقوم على اساس المصالح المتداخلة ضد الارهاب وضد حماس. وتعزيز العنصر السياسي الفلسطيني يعتبر عاملا لاجما وداعما للمصالح الاسرائيلية السياسية – الامنية.

“توجد حالة من التداول بين مستوى اداء السلطة الفلسطينية ونهجها تجاه اسرائيل (عدائي – هجومي او ايجابي – توافقي) وبين درجة حرية عمل الجيش الاسرائيلي في مناطق السلطة لغرض احباط التهديدات الامنية. وكلما ازداد التعاون، وبذلت اجهزة الامن الفلسطينية جهدا اكبر، يمكن للجيش الاسرائيلي أن يخفض مستوى نشاطه في المناطق الفلسطينية، او في الدولة الفلسطينية اذا ما قامت، دون التخلي عن حرية العمل في حالة التهديدات الحقيقية.

“ومع ذلك، دون تقدم سياسي ذي مغزى في الطريق الى دولة فلسطينية، سيصعب على السلطة ممارسة التعاون الامني مع اسرائيل على مدى الزمن وترميم مصداقيتها في نظر الجمهور الفلسطيني.

“معظم الجمهور في اسرائيل يؤيد الانفصال عن الفلسطينيين وحل الدولتين للشعبين. ويمكن التقدير بان تأييد الانفصال والاستعداد لدفع ثمنه سيزداد اذا ما وعندما يفهم الجمهور الاسرائيلي بعمق ويستوعب معاني الدولة الواحدة المتساوية. في كل الاحوال، لا امل في ان يوافق المجتمع الاسرائيلي على مساواة كاملة في الحقوق للمواطنين الفلسطينيين المنضمين. الى جانب ذلك، فان المجتمع الاسرائيلي ليس ناضجا للتنازلات اللازمة من أجل التقدم في الاتفاق. الجمهور، حتى وهو يؤيد حل الدولتين للشعبين، يرفض وضع تكون فيه دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة بكل المقاييس ويرى أمام ناظريه “دولة ناقص” فقط”.

وهكذا فان اسرائيل تفهم معنى الانتظار والجمود ولكنها غير قادرة وغير مستعدة لان تدفع ثمن البديل العملي. وبخلاف رئيس الوزراء، فاني اعتقد أنه لا يمكن للمرء أن يستمتع بالطيبات دون أن يتذوق طعم المرارة. فالمرارة التي تؤكد احاسيس التذوق والرائحة وتوقظ نزعة السؤال والبحث والفحص لما يحصل حقا. إذ في نهاية المطاف من الافضل للمرء ان يكون حكيما من أن يكون شريرا وبالتأكيد ليس ساذجا، ولكن الاسوأ هو عدم معرفة كيف يسأل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى