مقالات وآراء

تقليصات الأونروا مع تراجع مداخيلها

علي بدوان – طريق القدس

أثارت المواقف الأميركيةِ الأخيرةِ من وكالة الأونروا والمتطابقةِ مع المطالب “الإسرائيليةِ”، ردودِ فعلٍ واسعةٍ في الأمم المتحدة، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حَذَّرَ من أنَّ وقف المساهمةِ والتمويل الأمريكي في ميزانية الوكالة “يتسبب بمشكلةٍ كبيرةٍ جداً”، مطالباً واشنطن بــ “تأكيد مساهمتها الكاملةِ”، ولافتاً إلى أنَّ “الأونروا مؤسسة للأمم المتحدة تُقَدِم خدمات حيوية للاجئين الفلسطينيين”.

مواقف المفوض العام

المفوض العام الحالي لوكالة الأونروا، السويسري بيير كرينبول، يُعتَبَر من أفضل الشخصيات الأممية التي تولّت المفوضية العام للوكالة، من حيث مواقفهِ المبدئيةِ الحازمةِ، وتعاطفه الكبير والحقيقي مع قضيةِ اللاجئين الفلسطينيين، ومثابرتهِ الدائمةِ على تطويرِ عملِ الوكالةِ، وتوسيع قاعدة المانحين والمتبرعين. وكان لمواقفه الإيجابية المُتتالية في الدفاع عن استمرار الوكالةِ في تأدية واجباتها، ردودِ فعلٍ قاسيةٍ عند الطرفين الأميركي و “الإسرائيلي”.

إذاً، لقد بَدَت المواقف المبدئيةِ والحازمةِ للمفوض العام بيير كرينبول، أكثر وضوحاً مع رفضهِ المساسِ بعملِ الوكالةِ، وقد أشار الى انَّ “فرص حصول 525 ألف طالب وطالبة في 700 مدرسة للأونروا في مناطق عملياتها الخمس، على التعليم ومستقبلهم معرضان للخطر، ويدخل في دائرة الخطر أيضاً أمان الملايين من اللاجئين الفلسطينيين الذين هم بحاجةٍ للمساعداتِ الغذائيةِ الطارئةِ وأشكال الدعم الأخرى وفي مقدمتها الرعايةِ الصحيةِ”. ودعا كرينبول، وفي رده على مطالب دولة الاحتلال بتفكيك الوكالة، دعا الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة إلى المساهمة في تمويل المنظمة الدولية، مبيناً “أنَّ تمويل وكالة الأونروا أو أي وكالةٍ إنسانيةٍ أخرى يعود إلى تقدير كل دولةٍ عضو في الأمم المتحدة”. لكن أضاف قوله “المساهمة المخفضة من الولايات المتحدة لوكالة الأونروا، تهدد التزاماتنا الأخلاقية والإنسانيةِ العادلةِ تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين”.

وبعد قرار واشنطن خفض مساهمتها المالية في ميزانية الوكالة، وجّه المفوّض العام لوكالة الأونروا بمقر الأمم المتحدة بجنيف نداءاً عاجلاً من جنيف إلى البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة لحشد 800 مليون دولار. وحذّر المفوض العام، خلال مؤتمر صحفي في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف من أنَّ “هذه هي أسوأ أزمة مالية تمرّ بها الوكالة في تاريخها”. وأوضَحَ المفوض العام أن جمع 800 مليون دولار بشكلٍ عاجل، سيصرف نصفه تقريباً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، والنصف الثاني للاجئين الفلسطينيين في سوريا. وترافق هذا النداء بانطلاق حملة تبرّعات عالمية بعنوان “الكرامة لا تقدّر بثمن” . وقد سدّدت حتى بداية الشهر الثاني من العام 2018 سبعة بلدان مساهمتها السنوية لصالح هذه الوكالة وهي: سويسرا وفنلندا والدنمارك والسويد وألمانيا وبلجيكا وروسيا.

التقليصات والتحذيرات ….

وبالطبع، إنَّ التقليصات التي تنوي الإدارةِ الأمريكيةِ تنفيذها ضد وكالة الأونروا ستؤثر على مسار عمليات الوكالة، في قطاعات التعليم والصحة وتوزيع المواد الغذائية والبنى التحتية، والتي يُعتبر غيابها مهدداً لحياة اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات وكالة الأونروا. وتقول مصادر في الوكالةِ، على سبيلِ المثال، الى أنَّ عيادات الوكالة استقبلت تسع مليون زيارة لعياداتها في مناطق عملياتها الخمس خلال العام المنصرم 2017.

من جانبٍ أخر، وبناء على المعطى إياه، والمُتعلق بالخشية من انفجار الوضع الداخلي في مناطق عمليات الوكالة، وخاصة في قطاع غزة، بعد القرار الأميركي الأخير بتقليص المساهمة في تمويل ميزانية الوكالة، تتوقع منظومة الأمن “الإسرائيلية” وبجديةٍ كبيرة، ولادةِ تداعياتٍ كبيرة حال تقليص الدعم في ميزانيات الاونروا، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة، وتستعد المنظومة الأمنية “الإسرائيلية” للتغيّرات التي قد تؤثر على الشارع الفلسطيني في قطاع غزة وفي شوارع الضفة الغربية حال استمرت عملية التراجع المُضطرد في أعمال ومهام الوكالة نتيجة الشح المالي ونتيجة الموقف الأميركي. وحسب تقديرات مسؤولين في أجهزة أمن الإحتلال “إنَّ التقليص في ميزانية الأونروا ستؤثر بشكلٍ مُباشر على الاستقرار الأمني الإقليمي”. بل وذهب بعض قادة الأجهزة الأمنية في دولة الإحتلال للقول بأنَّ “التقليص في ميزانية الوكالة سوف يرفع مستوى الانفجار القادم، واحتمال الاصطدام مع إسرائيل. والتاريخ يعلمنا أنه في كل مرة تكون فيها أزمة اقتصادية في قطاع غزة تقود لحربٍ مع إسرائيل، في ظل رغبة حماس بخلق أزمة والتوصل بعد ذلك لتسوية وحل عملي”.

بينما قال مصدر أمني “إسرائيلي” أخر “إنَّ الفرحة في إسرائيل بالتهديد الأميركي بوقف المساعدات عن وكالة الأونروا، خاطئ، ويَدُلُ على قصور في الرؤية، فإذا حدث سيضر كثيراً الفلسطينيين، وفي الأساس سكان قطاع غزة، ولكن بدون شك سيضر إسرائيل أيضاً”.

أكثر من ذلك، تذهب مصادر “إسرائيلية” أخرى، أنَّ “بنيامين نتنياهو يَعرِفُ جيداً الوضع المُعقّد. ففي حين أنه وبصورةٍ علنية ينتقد وكالة الأونروا ويدعو إلى تقليص تدريجي في ميزانيتها، فإنه إسرائيل وحكومة نتنياهو يعملان من وراء الكواليس، وبنشاط على زيادة ميزانية الوكالة”. وتضيف المصادر ذاتها “أنَّ وزارة الخارجية الإسرائيلية تقوم بضبط السياسيين الذين يحاولون الاستفادة من كراهية الأونروا. ولن يكون غريباً اذا تبين أنه رغم الأقوال العلنية لرئيس الحكومة إلاّ أنه ارسل مبعوثيه في محاولة لإنزال ترامب عن الشجرة التي تسلقها”.

تداعيات التقليص الأميركي

من الواضح بأنَّ تداعياتٍ كبيرةٍ ستترتب على المساعي الأمريكيةِ لإنهاء وكالة الأونروا، وعلى القرار الأمريكي الأخير القاضي بتجميد نحو 65 مليون دولار كان من المفترض تقديمها للوكالة، والذي وصفه الفلسطينيون بإعلان حرب جديدة ضدهم، مُشيرين إلى أنَّ الإدارةِ الأمريكيةِ تستخدم المساعداتِ الماليةِ كوسيلةِ للنفوذ، واستراتيجية استخدمتها الإداراتِ السابقة في مسار  المفاوضات بين الطرف الفلسطيني الرسمي ودولة الإحتلال.

فموقف واشنطن بصدد وكالة الأونروا، يأتي أيضاً، وفي أحد أوجهه، كعقاب للشعب الفلسطيني نتيجة التصدي لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس، وهو ما يُعَبّر عن انتهاك الولايات المتحدة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، التي ما كان للرئيس ترامب ليجرؤ على هذه الخطوة لولا حالة التشرذم والانقسام في الصف العربي، وتبعية بعض الأنظمة العربية لإملاءات الإدارةِ الأمريكيةِ، فضلاً عن التحالف العلني بين كيان الإحتلال وبعض هذه الأنظمة التي بقيت طيلة سنوات محط شك في علاقاتها مع كيان الإحتلال وفي التآمر على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

تقليص التمويل الأميركي للوكالة الأممية، والرغبة الأميركية “بزوالها من الوجود”، ودعوتها لنقل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، يُشكِّل استمراراً لتحدي الأمم المتحدة ولشرعية قراراتها وللقانون الدولي، والمفارقة العجيبة هنا أنَّ المنظمة الدولية التي أوجدت قراراتها “إسرائيل” من خلال قرار تقسيم فلسطين، صارت تلك الدولة ــ أي إسرائيل ــ تهاجم الأمم المتحدة، وتتهمها بالانحياز، وتدعو لتصفية وكالاتها!.

الرغبات الأميركيةِ و “الإسرائيليةِ شيء، والواقع العنيد شيء أخر، فقضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من قضايا الصراع الأساسية، وهي ليست مالية، بل مسألة سياسية بامتياز، وإحدى الشواهد الحية على نكبة الشعب العربي الفلسطيني، والمجازر الوحشية، والتطهير العرقي الذي نفذته العصابات الصهيونية على أرض فلسطين العربية عام 1948، ولن تُحَلّ قضية لاجئي فلسطين إلاَّ بتطبيق قراري الأمم المتحدة 181 و194.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى