ترامب في البيت الأبيض نافذة فرص أمام الكيان الصهيوني
ابراهيم أبو ليل _ خاص طريق القدس
شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فرصة سياسية لفتح صفحة جديدةأمام العلاقات الخاصة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، واستعادة الثقة التي انهارت في عهد الرئيس باراك أوباما، حيث أبدت مراكز الأبحاث الإسرائيلية الحرص على ضرورة التنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وتجنب الأساليب التي اتبعها نتنياهو في التعامل مع أوباما وإدارته، والحفاظ على الحلف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. وفي المقابلحرص الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، على إظهار انحيازه غير المحدود للكيان الصهيوني وبشكل خاص لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً التزامه بالاستراتيجية الأميركية التي تتمحور حول أمن الكيان الصهيوني ورعاية المشروع الاستيطاني في فلسطين.
رحبت حكومة نتنياهو، فور صدور نتائج الانتخابات الأمريكية، بفوز دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة، حيث سارع نتنياهو ووزراء الحكومة الإسرائيلية ليس فقط لتهنئة ترامب بل وأيضا للفرح. فهم يرون بالرئيس المنصرف باراك أوباما عدواً، رغم سجله من الدعم الدبلوماسي الذي لا ينقطع لإسرائيل، والتعاون الاستخباري والمساعدات الأمنية السخية التي لا مثيل لها. وفور صدور نتائج الانتخابات سارع وزير التعليم في الكيان الصهيوني ورئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت إلى الإعلان أن: «انتصار ترامب هو فرصة هائلة لإسرائيل لأن تُعلِم فورا عن التراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطينية في قلب البلاد، والتي هي مس مباشر بأمننا وبعدالة طريقنا».وتوجد لنتنياهو ووزرائه توقعات عالية بالتأييد والدعم من الرئيس الأمريكي المنتخبالذي توعد بنقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، كما توعد بدعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين وعدم اعتراضه على الاستيطان في الضفة الغربية. فما يعرف باليمين المتطرف الذي تتشكل منه الحكومة الإسرائيلية يرى في نتائج الانتخابات الأمريكية تدخلاً سماوياً في صالح الكيان الصهيوني، سيطوي ملف القضية الفلسطينيةويزيد الضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك لأن ترامب بمواقفه العنصرية ضد العرب والقضية الفلسطينيةيدعم ويغذيالآيديولوجيا«المشيحانية» المتطرفة، التي هي سياسة حكومات نتنياهو الأربع، وأن فوزه يعتبر تشجيعاً لسياسة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن القاسم المشترك بين نتنياهو وترامب هو الخطاب التحريضي المتطرف الذي يختلط بحقن دينية وعنصرية،واحتقار السلام وكراهية الآخروالتحريض ضد العرب.من هذه الناحية نتنياهو هو شخص متميز في السياسة العدوانية ومحترف في خلق دائم لأعداء حقيقيين أو وهميين من الداخل ومن الخارج. فهو منذ انتخابه أول مرةعام 1996أظهر حقده وكراهيتهاللذين استخدمهما كأداة سياسية ضد منافسيهعلى الصعيد الداخلي، واستغل مخاوف الإسرائيليين في التحريض ضد الشعب الفلسطيني وشن العدوان ونشر الاستيطان، وأقدم على إجراء تغييرات على الأرض تمهيداً لهدم المسجد الأقصى. ومثله مثل ترامب يدعوا بشكل دائم إلى توجيه ضربة عسكرية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ذلكأن نتنياهووترامب، هما نتاج لثقافة واحدة نشآ وترعرعا في أوساط وعائلات تدعو إلى عودة اليهود إلى ما يسمى «أرض الميعاد».
خلافا للإدارات السابقة، التي كانت ذات أجندة واضحة قبل انتخابها، تقف الحكومة الإسرائيلية أمام إدارة غير متبلورة في مسائل الشرق الأوسط، إلا أن الرئيس المنتخب ترامب سيكون له تأثير دراماتيكي على الاتجاه الذي تسير فيه الولايات المتحدة، ومن شأن تأثيره أن يتضمن المنظومات الدولية بكل جوانبها. وفي هذا الإطارتسعى النخب الإسرائيليةإلى فهم تأثيره على الأمن القومي الإسرائيلي، وتعمل مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية على وضع استراتيجية لتحديد سلوك الحكومة الإسرائيليةفي المرحلة الجديدة لرسم خارطة طريق أمام ترامب والتأثير على سياسة إدارته. ذلك أن للولايات المتحدةوالكيان الصهيوني قاعدة متينة من العلاقات والمصالح المشتركة،ولا بديل عن الولايات المتحدة كقوة عظمى وأهم داعمللمشروع الصهيوني. فهي التي تساعد «إسرائيل» بمليارات الدولارات وتقدم لها اسلحة حديثة لتعزيز قوة الجيش الإسرائيلي، ولا يوجد غيرها من يمنع بالفيتو قرارات مناهضة للكيان الصهيوني في مجلس الأمن. ويرى عاموس يادلين رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن أمام إسرائيل فرصة لفتح صفحة جديدة، للتأثير على سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقةوتكون جزء لا يتجزأ منها، ويرى أنه حين يدعى رئيس الوزراء الإسرائيليإلى البيت الأبيض، يجدر به أن يتوصل مع الرئيس ترامبإلى تفاهمات حقيقية حول العمل المشترك في المستقبل،وفي هذا السياق يقدم يادلين ستة نقاطتشكل الأساس لإعادة العلاقات الخاصة ولتعزيز الحلف الاستراتيجي بين الطرفين.
اولا: يجب استئناف الثقة التي فقدت في عهد أوباما،إذ يقول عاموس يادلين أن العلاقة بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي هامة للغاية،وينبغي على نتنياهو وترامبأن يعرض الواحد للآخر المصالح العليا والخطوط الحمراء،ومن المهم أن يتفقا على ألا يفاجيء الواحد الآخر.
ثانيا: لقد أدارت الولايات المتحدة سياسة خارجية مست بعلاقاتها مع حلفائها في المنطقة. ليس فقط إسرائيل – مصر، السعودية وتركيا أيضا تريدان أن تريا سياسة أخرى. وبحسب يادلين أن علاقات إسرائيل الطيبة مع مصر والأردن، وتداخل المصالح مع السعودية واستئناف العلاقات مع تركيا يمكنها أن تكون أساسا لحلف قوي يتصدى للتحديات بشكل أفضل.
ثالثاً:هذه النقطة ترتبط بالازمة في سورية، إذ يرى عاموس يادلين أنه يجب أن تفحص إسرائيل كيف ستصمم الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجية مختلفة حيال روسيا وإيرانبوصفهما قوتين فاعلتين في المنطقة.
رابعاً:تتعلق النقطة الرابعة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشكل التهديد الأهم لإسرائيل في المدى البعيد. الاتفاق النووي هو حقيقة ناجزة وفي المدى القريب فإن فرصهُ متدنية مقارنة بالبدائل الأخرى،وينبغي التقدير أن ادارة ترامب لن تلغيه. ومع ذلك، فالاتفاق إشكالي في المدى البعيد حين يرقى الايرانيون في إطارالشرعية إلى برنامج نووي واسع متطور وفي مدى صفر من القنبلة النووية. ويرى يادلين أنه يجب الاتفاق مع الإدارة الامريكية على مبدأ أن نظاماً يدعو إلى إبادة إسرائيل لن يلقى شرعية لبرنامج نووي واسع مثلما يمنح الاتفاق إيران بعد عقد،وينبغي العودة إلى التنسيق الاستخباري الكامل لغرض اكتشاف الخروقات الإيرانية والوصول إلى اتفاق يقضي بأن تمنح الولايات المتحدة إسرائيل كل القدرات التنفيذية للعملإذا استنفدت كل البدائل الأخرى.
خامساً – حول عملية التسوية، حيث يشكلتغيير الرئيس الأمريكي فرصة لفحص أفكار جديدة للتسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يدخل فيها العالم العربي. ويمكن لهذه الأفكار الجديدة أن تبقي على فكرة «حل الدولتين» كممكنة، ولكنها تعترف بعدم الإمكانية للوصول إلى اتفاق دائم الآن. فاستئناف التفاهمات حسب رسالة بوش من العام 2004، التي تجاهلها أوباما ونتنياهو، هي خطوة أولى، ويرى يادلينأنه من غير المحتملأن يكون البناء فيغربي القدس في مكانة متساوية مع البناء في الضفة الغربية.
سادساً: يؤكد عاموس يادلين على توفير الدعملأمن إسرائيل بشكل دائمكمدماك أساس في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، فالمساعدة متعددة السنين والحفاظ على التفوق النسبي في الوسائل القتالية، والدعم لخطط الدفاع ضد الصواريخ، والاتفاقات على القدرات الاستراتيجية الخاصة المنسوبة لإسرائيل، كل هذه العواملمن شأنها أن تعزز العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة وستكون أساسا لاختراق سياسي بحسب رؤية يادلين.
لقد قال ترامب أموراً مريحة للإسرائيليين ومن الواضح أنالمهمة الكبيرة أمامالحكومة الإسرائيلية هي الحفاظ على المصالح الإسرائيلية أمام الولايات المتحدة،وذلك في ظل الفرص التي جاءت بها الانتخابات الأمريكيةوهي أنه خلافاً لجميع التوقعات، حافظ الجمهوريون على أغلبية في الكونغرس الأمريكي، وهذه هامة بخصوص تعاطي الإدارة الأمريكية مع الحكومةالإسرائيلية ورعايتها للمشروع الصهيوني، وربما تكون المنطقة والعالم أمام مزيد من الكوارث.