انهيار القطاع وجمود المصالحة تدفع حماس الى تصعيد الوضع
بقلم: عاموس هرئيل – هآرتس
على الرغم من تجدد اطلاق النار من قطاع غزة والانتقاد المتزايد من المعارضة، يبدو أن الحكومة لا تنوي وقف سياسة ضبط النفس التي اتبعتها في القطاع. يبدو أن رد الجيش الاسرائيلي على اطلاق النار سيكون اكثر قسوة هذه المرة، لكن هدف الجيش الموضوع من قبل المستوى السياسي بقي محاولة الحفاظ على التهدئة على الحدود.
أول أمس بعد الظهر اطلقت ثلاث قذائف من القطاع على النقب الغربي، قذيفتان تم اعتراضهما من قبل القبة الحديدية. الاطلاق حدث في ذروة الاحتفال بتخليد ذكرى الرقيب اورين شاؤول الذي قتل في غزة في عملية الجرف الصامد والذي ما زالت جثته محجوزة لدى حماس. المشاركون في الاحتفال الذي جرى في الهواء الطلق في كيبوت كفار عزة تم تصويرهم وهم مستلقون على الارض اثناء اطلاق صافرات الانذار، والصور عادت واثارت الانتقاد ضد الردود المنضبطة لحكومة نتنياهو. الجيش الاسرائيلي رد باطلاق القذائف على مواقع حماس في جنوب القطاع وشماله. على خلفية هذه الصور التي تثير الحرج في اوساط المستوى السياسي من المعقول أن تتم المصادقة في هذه المرة على رد أشد.
مع ذلك، في الجيش يؤكدون أن الهدف الذي تم تحديده لهم بقي على حاله – العودة الى التهدئة حيث أن الأولوية هي اعطاء اطول فترة ممكنة لاستكمال بناء العائق ضد الانفاق حول القطاع والكشف عن انفاق هجومية جديدة تم حفرها داخل الاراضي الاسرائيلية.
منذ تصريح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل اطلق من القطاع ما يقارب 40 صاروخ وقذيفة مدفعية، سقط نصفها تقريبا في مستوطنات غلاف غزة وقربها. حتى الآن لم يكن هناك اصابات بهذا الاطلاق.
وزير الدفاع افيغدور ليبرمان قال أمس في مقابلة مع شبكة الاخبار إن القذائف التي اطلقت أول أمس هي قذائف قياسية من انتاج ايران، وأنه “تم تزويدها لبعض الجهات في غزة”. ايران هي الممول الاساسي للجهاد الاسلامي، ومؤخرا زادت مساعدتها الاقتصادية لذراع حماس العسكري في القطاع.
المسؤولون عن معظم اطلاق الصواريخ منذ تصريح ترامب هي تنظيمات سلفية متطرفة. في الاجهزة الامنية يقولون إن حماس تستمر في العمل ضد مطلقي الصواريخ وقد اعتقلت عشرات النشطاء من التنظيمات السلفية. في نفس الوقت استمرت المظاهرات في نهاية الاسبوع، التي تقوم بتنظيمها حماس على حدود القطاع. في مظاهرات أول أمس قتل شاب فلسطيني وأصيب العشرات بنار الجيش الاسرائيلي قرب الجدار الامني.
في اسرائيل يشخصون الخطر الاساسي للتصعيد، ليس في الاطلاق الحالي، بل اساسا في تزايد خطورة الوضع الانساني في القطاع بسبب انهيار البنى التحتية وجمود الاتصالات بين حماس والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بمواصلة مسيرة المصالحة الفلسطينية بين حماس والسلطة. في الاسابيع الاخيرة انخفض عدد الشاحنات التي تنقل البضائع من القطاع، الى حوالي 530 شاحنة في اليوم، مقابل 1000 شاحنة في السنوات الاخيرة. حجم البضائع التي تم ادخالها الى القطاع كان منخفض في الربع الاخير من هذه السنة بنحو 20 في المئة مقارنة بالربع الموازي من السنة الماضية. السبب الرئيس لذلك هو انخفاض قدرة الشراء في غزة في اعقاب سوء الوضع الاقتصادي.
اختيار حماس للمصالحة مع السلطة الفلسطينية جاء بسبب الصعوبات الاقتصادية، وفي الاساس بسبب عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين العامين في القطاع وتمويل ثمن الكهرباء، لكن تنفيذ اتفاق المصالحة الذي تم التوصل اليها بوساطة مصرية يتقدم ببطء. صحيح أن السلطة الفلسطينية أخذت المسؤولية عن العمل في المعابر بين القطاع واسرائيل ومؤخرا اصبح لها وجود في معبر رفح، إلا أن مصر تبقي المعبر مغلق بشكل عام.
السلطة الفلسطينية لم تحول بعد الاموال للقطاع، وفي هذه المرحلة ايضا لم تتولى بنفسها ادارة الوزارات الحكومية في القطاع كما تم الاتفاق عليه. وضع مياه الشرب في القطاع آخذ في التدهور، ويستمر تدفق مياه الصرف الصحي الى البحر وهناك مشكلة تزداد خطورة تتمثل في التعفن في برك الصرف الصحي في شمال القطاع. مع قدوم الشتاء هناك تخوف شديد على حياة السكان من غياب الكهرباء. في المقابل، هناك تحذيرات من انتشار الامراض المعدية بسبب سوء وضع البنى التحتية للمياه والصرف الصحي.
نقطة الضعف الاساسية في اتفاق المصالحة تنبع من الاختلاف حول قوة حماس العسكرية. رئيس السلطة، محمود عباس، يخشى من تبني حماس لنموذج حزب الله في لبنان – الحفاظ على تنظيم عسكري مستقل، من خلال مواصلة نفوذه السياسي – لذلك يستمر في اشتراط التقدم باخضاع ذراع حماس العسكري للسلطة الفلسطينية. قائد حماس في القطاع، يحيى السنوار، يرفض ذلك بشدة. استمرار الازمة بين السلطة الفلسطينية وحماس من شأنه أن يحث السنوار على اتخاذ، للمرة الاولى، خطوات هجومية ضد اسرائيل، الامر الذي امتنعت عنه حماس منذ انتهاء عملية الجرف الصامد في صيف 2014.
في اسرائيل يقلقون من التأثير المتزايد لايران على حماس، بعد بضع سنوات خافت فيها قيادة حماس من تماهي مبالغ فيه مع ايران على خلفية الحرب الاهلية السورية، التي أعملالذبح فيها نظام الاسد بدعم من طهران بحركة الاخوان المسلمين، الحركة الأم لحماس. الاموال التي تحولها ايران، سواء بواسطة بنوك القطاع أو من خلال وسطاء، تساعد في تمويل رواتب الذراع العسكري لتطوير الوسائل القتالية. قبل بضعة اسابيع قام احد كبار قادة حماس، صالح العاروري، بزيارة طهران مباشرة بعد مشاركته في محادثات المصالحة بين حماس والسلطة في مصر.