شؤون العدو

النهاية “النكسونية” لنتنياهو

 بقلم: حيمي شليف – هآرتس

ريتشارد نكسون كان رئيسا مجددا. فقد قام بفتح الابواب الى الصين، وأسس الانفراج مع الاتحاد السوفييتي، وأخرج امريكا من فيتنام، وألغى الخدمة العسكرية الاجبارية، واستكمل الغاء الفصل العنصري في المدارس، وقام باصلاحات في الرفاه والبيئة وأنقذ اسرائيل في حرب يوم الغفران. ولكنه أنهى ولايته كشخص مهان وخارق للقانون ومتعثر ومصاب بجنون الارتياب، والذي في ايامه الاخيرة كان يتجول في البيت الابيض بالبيجامة وهو يتحدث مع الصور المعلقة على الجدران. إن تركه لمنصبه بهذه الصورة غير المحترمة غطت الى الأبد على كل انجازاته. فقد سجلت في التاريخ مثل لعنة أبدية.

بنيامين نتنياهو يمكن أن يسير في اعقابه. ايضا من يعارض بشدة مواقفه يجب عليه الاعتراف بأنه ترك بصماته على تاريخ دولة اسرائيل، وحسب رأيه فانه غيرها نحو الافضل. على مدى الـ 12 سنة لوجوده في رئاسة الحكومة، ويضاف اليها سنتين كوزير للمالية، فان نتنياهو اجتث اتفاقات اوسلو، ودفن حل الدولتين وخصخص الاقتصاد، لكنه حافظ على استقراره، وعزز سلطة المستوطنين وقضم سلطة القانون، وصد براك اوباما وكسب دونالد ترامب وحقق مواجهة محتملة مع ايران. خلال ذلك اقام تحالف سياسي يبدو وكأنه لا يمكن هزيمته، بالضبط مثلما ظهر الحزب الجمهوري بعد أن تبنى نكسون بنجاح “الاستراتيجية الجنوبية” التي خطفت الجنوب الابيض من أيدي الديمقراطيين، حتى جاءت فضيحة “ووترغيت”.

رغم أن محاولة اختراق مقر الحزب الديمقراطي في 1972 وجهود البيت الابيض في التشويش على التحقيقات تستدعي تجميعا فوريا لاختراق روسيا لحواسيب الديمقراطيين في 2016، ومحاولة ترامب المستمرة لمنع التحقيق فيها، يجب أن نذكر أن نكسون ايضا صمم على أنه لن يكون هناك شيء لأنه لا يوجد شيء. ايضا هو كان على قناعة بأن خصوم سياسيين ومحققين متحيزين وصحافيين يساريين يقومون بتضخيم احداث بسيطة بحقد من اجل عزله. ايضا كان له أتباع اغبياء تمسكوا بنظرية المؤامرة التي نشرها. وهو ايضا تحصن في مكتبه عندما كانت ادانته واضحة للعيان، وبهذا فقد اضاع فرصة النزول عن المنصة باحترام.

ورغم أن المقارنات مع ترامب مطلوبة ومبررة فان شخصية نكسون تشكل دليل اكثر دقة لسلوك نتنياهو، وليس فقط الآن. فقبل عشرين سنة كتبت عن ذلك بأن نكسون مثل نتنياهو كان إبنا لأب صارم شعر بأنه مضطهد، ترعرع في ظل اخوته الذين ماتوا، تلقى تعليم سبارطي وتميز في تعليمه، وشعر بأنه لا ينتمي الى المحيط المعادي، وارتقى الى قمة السياسة في سن مبكرة وقام ببناء نفسه كمطارد لليساريين الخونة. ايضا نكسون كان له طموح كبير وعقل سياسي لامع قاداه الى القمة رغم حالات فشل كبيرة مرت عليه. المأساة هي أن نجاحاته مهما كانت كبيرة لم تقلل من شعور الاضطهاد ومشاعر الضحية التي كبر معها، وشهوة الانتقام من اعدائه والميل الى رؤية مؤامرة في كل زاوية ورفض الاعتراف بعثراته، وكنتيجة لذلك – عدم القدرة على رؤية المصيبة المقتربة منه والخلاص منها في الوقت المناسب.

ايضا اذا بقي في منصبه، فان نتنياهو يسير الآن بسرعة داخل ما سماه اريئيل شارون بـ “الكوراليس” وهو المسار الاخير للابقار التي تذهب للذبح، في طريقه الى نهايته “النكسونية”. في كل مرة يهاجم فيها المحققين معه فانه يثبت شدة خطاياه ويرفض تحمل المسؤولية عن افعاله، وهو يتموضع في الرأي العام، وايضا في الرأي العام لليمين كمخادع ومتعثر ومقطوع عن الواقع، والذي لا يريد دفع ثمن اخطاءه. هكذا هو ايضا سيسجل في التاريخ اذا استمر في السير في طريقه الحالية، في حين أن انجازاته تغرق في هاوية النسيان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى