شؤون العدو

“النبأ الذهبي” الذي أنقذ اسرائيل

بقلم: ياريف بيلغاسرائيل اليوم

في “12 تشرين الاول/ اكتوبر 1973 ينعقد الكابنت الامني مع قيادة الجيش الاسرائيلي ورئيس الموساد تسفي زمير في ساعات الظهيرة، في بحث مصيري عن خيار اجتياز القناة. قائد الجبهة الجنوبية، الفريق احتياط حاييم بارليف، الذي يمثل رأي كبار رجالات قيادة المنطقة الجنوبية، يؤيد الاجتياز ويقترح اجراؤه كما هو مخطط له في الغداة. قائد سلاح الجو، اللواء بني بيلد يؤيده. بالمقابل، نائب رئيس الاركان اللواء اسرائيل طل يعارض بشدة ويدعي أن الاجتياز في مواجهة جيشين مصريين مدرعين وجاهزين، معناه فشل ذريع على نحو شبه مؤكد.

في هذه المرحلة، عندما يكون من الصعب على رئيسة الوزراء غولدا مئير، الوزراء وقيادة الجيش، بمن فيهم رئيس الاركان دافيد العزار (دادو) اتخاذ القرار، يستدعى زمير على عجل، مثلما في الدراما المسرحية، الى الهاتف. فيتلقى نبأ لا يمكن التقليل من شأنه – “النبأ الذهبي”.

بعد 44 سنة من ذاك اليوم المصيري، يتذكر هذا الاسبوع زمير إبن الـ 92 تلك اللحظات الدراماتيكية عند تلقي النبأ، ويستعيد الذكرى فيقول “كان وضع الجيش الاسرائيلي في الجبهة الجنوبية مقلقا جدا. وقال ديان عندها اذا فشلنا في هجوم آخر فسنضطر الى القتال في مشارف تل ابيب. وكانت الصورة قاتمة وصعبة. طلبت غولدا من كل الحاضرين أن يكتبوا رأيهم على ورقة ويوقعوا عليها، وذلك لأنه كنا بحاجة في تلك اللحظة الى اتخاذ قرار تاريخي.

“وعندها فتح الباب واستدعيت على عجل. وعلى الهاتف تحدث معي رئيس مكتبي باردي عيني، المسؤول عن الانباء التي يتلقاها في الموساد يوئيل سولومون. بلغوني بالمصدر الذي لم أكن أعرفه شخصيا، لكن أعرف وجوده، الذي نقل نبأ يقول إن المصريين يعتزمون أن ينزلوا في الايام القادمة المظليين من المروحيات على الهدف الذي ارادوا أن يهاجموه، خلف الجدي والمتلة. وكنت اعرف أن المصدر مصداق، وقدرت بأن المصريين لن ينفذوا مثل هذه الخطوة فقط بقوات تنزل بالمروحيات، بل ستترافق واجتياز قوات مدرعات تهاجم خط المعابر ايضا.

“بلغت ما سمعت واضفت: انظروا، خطة المصريين معروفة للموساد، وقد نقلناها الى شعبة الاستخبارات ايضا. فهم يريدون تنفيذ هجوم آخر بعد اسبوع من اندلاع الحرب لاحتلال مناطق هامة في عمق سيناء. أقترح أن ننتظر عدة ايام لنرى اذا كانوا سينفذون الخطة بانزال القوات. أنا لا اؤيد هجومنا واجتياز القناة، فهجمات كهذه سبق أن فشلت، ولا أرى أي احتمال لنجاح أي هجوم آخر. فأخذت غولدا ورئيس الاركان دادو برأيي، وقالت غولدا، يا رفاق، تسفيكا أنهى لنا النقاش”.

من اليأس الى الأمل

لفهم الاهمية الحاسمة للنبأ، من المهم العودة الى الايام التي سبقت وصوله. في 8 تشرين الاول 1973، بعد يومين من اندلاع الحرب، يتكبد الهجوم المضاد المتسرع من الجيش الاسرائيلي في سيناء بالفشل. وبالتوازي، فان الجهود لاقتلاع استحكامات المصريين شرقي القناة لا تنجح. وكان الوضع في الجبهة الجنوبية في اسوأ حال، والجمود في هذه الجبهة مقلق.

في 10 تشرين الاول بحثت قيادات المنطقة الجنوبية مع رئيس الاركان دادو في المسألة المصيرية لكيفية تغيير وجه المعركة. وكانت الخيارات على الطاولة صعبة. واحد – الجهد لاقتلاع المصريين من شرقي القناة، الذي سيجبي من قواتنا ثمنا باهظا بالقوى البشرية والمعدات، في الوقت الذي تآكل فيه الجيش في المعارك، ولا سيما بالطائرات والطيارين؛ الثاني، اجتياز القناة، وهو رهان خطير وامكانية للفشل – ولا سيما في مواجهة فرقتين مصريتين مدرعتين توجدان خلفها؛ والثالث، ابقاء الوضع القائم مما يعني جمود عسكري. حرب استنزاف في خطوط صعبة وتجنيد طويل للاحتياط لا يمكن أن تتعايش اسرائيل معه.

بارليف، والجنرالان شموئيل غورديش غونين، قائد المنطقة الجنوبية، واريك شارون، قائد الفرقة 143، يؤيدان بحزم اجتياز القناة ويدعيان بأن من الواجب تغيير الوضع العسكري، وتحقيق مبدأ القتال الاسرائيلي لنقل الحرب الى ارض العدو وتحقيق انجازات استراتيجية. دادو يتردد، ولكن يريد أن يصل في اقرب وقت ممكن الى وقف اطلاق نار، والى “اعادة التنظيم” ومعني بأن تأخذ القيادة السياسية نصيبها من القرار الحاسم في ذلك. وزير الدفاع موشيه ديان غير مستعد لقبول فكرة وقف النار، بل ويرى فيها نوعا من الاستسلام. ولكن هو ايضا يتردد في موضوع الخيار العسكري المفضل – فينتقل النقاش الى طاولة الحكومة.

في اطار كل هذا، فان الاجواء العامة في القيادة العسكرية والسياسية متكدرة. وكما يذكر، عندما عاد ديان في 7 تشرين الاول من جولة في الجبهتين الشمالية والجنوبية، بدا كمن خرب عالمه، يتحدث عن امكانية انسحاب في سيناء وضياع ذخائر حيوية، واقتبس كمن يقول لغولدا: “اخطأت، نحن عرضة لكارثة، قد يكون هذا خراب البيت الثالث”. غولدا نفسها يقتبس عنها كمن قالت “اذا كان ديان محقا، فسأنتحر”. في هذه الاجواء الصعبة تنعقد، كما اسلفنا، القيادة السياسية والامنية في 12 تشرين لاول وتتردد بالاساس، وعندها يأتي النبأ المصيري – النبأ الذهبي.

زمير يقول “دادو قال انه يعد لواء المدرعات للصد، على افتراض أنه بعد انزال المظليين ستجتاز الفرق المدرعة المصرية القناة وتهاجمنا. وبالفعل، بعد وقت قصير اجتازت المدرعات المصرية القناة وهاجمت، ولكن الجيش الاسرائيلي ضربها صدمة على الركبة بشكل حطم المصريين معنويا ايضا. هذا النصر سمح لنا بالخروج الى هجوم خاص بنا وان يتم اجتياز القناة بسهولة نسبية اكبر. هذا لم يكن بالطبع هجوما سهلا، ولكن وصول النبأ والاستعدادات التي نفذت في اعقابه، حسنت بالتأكيد الوضع بالنسبة لنا”.

كما أن النبأ الذي تلقاه زمير تداخل ايضا مع الضغط السوري على المصريين لتشديد قوة الحرب في الجنوب للتخفيف عن الضغط الاسرائيلي في الشمال، الذي شكل منذ ذلك الحين تهديدا خطيرا على دمشق.

لم يكن المصدر هو اشرف مروان، بل مصدر آخر في مصر. وكان العميد احتياط اهارون لبران (85 سنة) رجل سلاح الاستخبارات والحاصل على وسام الشرف، كان في الحرب نائب رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات، ويعرف عن كثب المصدر، وكان له الحق الاول لوجوده وأدائه. لبران، يحلل هنا لاول مرة الاهمية الحاسمة للنبأ فيقول “النبأ الذهبي وصل بيقين فقط من ذاك “المصدر الآخر”. أتذكر أنه في ذاك اليوم الذي وصل فيه النبأ كنت في الكرياه. وعندما عاد دادو من البحث مسح جبينه وقال “أنا الآن اعرف ما العمل””.

وبالفعل، في 14 تشرين الاول اجتازت قوات مدرعة مصرية القناة نحو الشرق. القوات، التي تضمنت فرقة المدرعات 21، على الاقل لواء مدرعات واحد من فرقة المدرعات 4 ولواء مؤلل من الفرقة 23، ضربها الجيش الاسرائيلي في احدى معارك المدرعات الاكبر في حروب اسرائيل. وحسب قائد الجيش المصري، سعد الشاذلي، في ذاك اليوم دمرت 250 دبابة مصرية، واعترف المصريون لاول مرة بتدمير 100 دبابة لهم. وهكذا انقلبت صورة المعركة في الجبهة الجنوبية رأسا على عقب بفضل النبأ الذهبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى