القيصر بيبي الاول يجب أن ينتظر
بقلم: اوري افنيري – هآرتس
الصهيونية هي معتقد لاسامي وهكذا كانت دائما. الأب المؤسس هرتسل، وهو كاتب نمساوي، كتب عدد من القصص ذات التوجه اللاسامي البارز، هذه القصص لا يعلمونها في اسرائيل. حسب رأي هرتسل الصهيونية لم تكن فقط حركة لنقل اشخاص من بلاد الى اخرى، بل ايضا وسيلة لتحويل اليهود المساكين في الشتات الى بشر يعتدون بأنفسهم ويعملون في ارضهم. هرتسل سافر الى روسيا لاقناع الزعماء اللاساميين فيها، منظمو المذابح، لدعم برنامجه. وتعهد لهم باخراج اليهود من روسيا.
أحد المكونات الاساسية للايديولوجيا الصهيونية كان أنه فقط في الدولة اليهودية المستقبلية يستطيع اليهود أن يرفعوا قاماتهم والعيش حياة طبيعية. الشعار كان “قلب الهرم الاجتماعي” – أي، يجب وضع الهرم على قاعدة عمال وفلاحين بدل الصرافين واصحاب البنوك.
عندما كنت طالبا في المدرسة في فلسطين – ارض اسرائيل في فترة الانتداب، كل ما تعلمناه كان متبل بالاحتقار العميق ليهود الشتات، الذين فضلوا البقاء في الشتات. كان من الواضح أنهم أقل منا في كل المجالات، الذروة كانت في بداية الاربعينيات من قبل مجموعة صغيرة حظيت بلقب “الكنعانيين”. لقد اعلنوا أننا نشكل أمة “عبرية” جديدة، ليس لها أي صلة مع اليهود في أي مكان آخر. عندما تمت معرفة ابعاد الكارثة الفظيعة، هذه الاصوات تلاشت، لكن ليس تماما. اللاساميون من ناحيتهم فضلوا دائما الصهاينة على اليهود الآخرين. ادولف ايخمان قال، كما هو معروف، إنه يفضل التفاوض مع الصهاينة، لأنهم “اساس بيولوجي” أفضل من اليهود الآخرين. ايضا الآن من يكرهون اليهود في كل مكان يصفقون لدولة اسرائيل، كدليل على أنهم ليسوا لاساميين اطلاقا. دبلوماسيون اسرائيليون لا يرفضون امكانية استغلال هذا الدعم، هم يحبون اليمين المتطرف.
هذا الامر لم يعق في أي يوم دولة اسرائيل في استغلال دعم اليهود في العالم. في حينه انتشرت نكتة تقول الله قسم خيراته بصورة عادلة، بين العرب والاسرائيليين. أعطى النفط للعرب وأعطى اسرائيل يهود امريكا. عندما قامت دولة اسرائيل، كانت الدولة تحتاج بشكل كبير الى الاموال لشراء الخبز للشهر القادم، هكذا ببساطة. رئيس الحكومة دافيد بن غوريون تم اقناعه بالسفر الى امريكا من اجل السعي وراء المال اليهودي هناك، لكن ثارت مشكلة: بن غوريون كان صهيونيا خالصا، لذلك كان متوقعا أن يقوم باقناع اليهود بترك كل شيء والهجرة الى البلاد. مساعدوه عملوا الكثير من اجل اقناعه بعدم طرح كلمة هجرة اطلاقا.
هذه العلاقة بقيت حتى الآن، اليهود يحتقرون سرا يهود امريكا الذين يفضلون اللقمة الطرية على حياة العزة والاستقامة في دولة اليهود، لكنهم يطالبون بدعمهم السياسي غير المحدود. اغلبية المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة تقدم هذا الدعم حقا. يوجد لديها قوة كبيرة في واشنطن، الايباك، اللوبي الصهيوني، يعتبر اللوبي الثاني في قوته بعد لوبي السلاح.
لسوء الحظ، العلاقات المتبادلة بين دولة اسرائيل ويهود امريكا تجلب المشكلة تلو الاخرى، التي لم يعد بالامكان اخفاءها. الاندلاع الاخير لهذه المشاكل جاء من قبل نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي، التي في مقابلة أجريت معها هاجمت يهود امريكا بصورة خبيثة. من ضمن اقوالها، أدانت حقيقة أن يهود امريكا لا يرسلون أبناءهم الى الجيش الامريكي. ونتيجة ذلك، زعمت أن هؤلاء اليهود غير مستعدين لفهم الاسرائيليين الذين ابناءهم الجنود يخوضون الحرب كل يوم.
هذا القاء لتهمة قديمة، أنا أذكر أنني شاهدت ذات مرة منشور ألقي في الحرب العالمية الثانية من قبل طائرات نازية على خطوط الجيش الامريكي في فرنسا. وقد ظهر فيه يهودي سمين له أنف معقوف ويدخن السيجار ويداعب امرأة امريكية شقراء. “في الوقت الذي تسفك فيه دمك في اوروبا، الآن يقوم اليهودي باغتصاب زوجتك في البيت”، كتب في المنشور.
كما هو معروف، التجنيد الاجباري الغي في امريكا منذ فترة. الجيش الامريكي يتشكل اليوم من متطوعين من الطبقة الفقيرة. اليهود لا ينتمون لهذه الطبقة. إن اتهام حوطوبلي هو هراء محض. لقد تمت ادانتها من قبل الجميع، لكن لم تتم اقالتها. ايضا الآن هي مسؤولة عن كل الدبلوماسيين الاسرائيليين في العالم.
هذه الحادثة هي واحدة من عدد من المشاكل في العلاقة بين الجاليتين، لكن المشكلة الاساسية هي أن كل منظومة العلاقات بين الاسرائيليين وبين يهود الشتات ترتكز على كذبة، الادعاء بأنهم ينتمون لنفس الشعب، الواقع فصل بينهما منذ زمن طويل، الواقع الحقيقي هو أن “اليهود” في اسرائيل هم أمة جديدة خلقت من قبل الواقع الروحي، الجيوغرافي والاجتماعي في البلاد الجديدة – مثلما أن الامريكيين مختلفين عن البريطانيين والبريطانيين مختلفين عن الاستراليين. يوجد لهم مشاعر قومية من الانتماء المتبادل، تراث متشابه وعلاقات عائلية. ولكنهم مختلفون.
كلما سارع الطرفان الى الاعتراف بذلك رسميا كلما كان افضل. اليهود في امريكا يمكنهم دعم اسرائيل (مثل الايرلنديين الامريكيين الذين يدعمون ايرلندا)، لكنهم غير مطالبين بالولاء لدولة اسرائيل، وغير ملزمين بدفع الضرائب لنا. دولة اسرائيل من ناحيتها تستطيع أن تساعد اليهود المحتاجين في كل مكان، والسماح لهم بالانضمام اليها. أهلا وسهلا. ولكن نحن لا ننتمي لنفس الأمة. نحن هنا في اسرائيل نشكل أمة تتكون من مواطني اسرائيل. اليهود في امريكا وفي كل العالم ينتمون للأمم في بلادهم، وايضا للطائفة اليهودية العرقية – الدينية العالمية. بنيامين نتنياهو كان يريد أن يتشبه بالملكة فيكتوريا، التي كانت “ملكة بريطانيا وقيصرة الهند”، هو يريد أن يكون ملك وقيصر – ملك اسرائيل وقيصر اليهود. وهو ليس كذلك.