الأخبارتقارير

“القرار السياسي” يمنع إحالة ملف الأسرى للجنايات الدولية

مع ازدياد معاناة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، تتجه الأنظار إلى الدور الذي تلعبه القيادة السياسيّة الفلسطينيّة فيما يتعلق بملف هؤلاء الأسرى، الذين قضى العشرات منهم عقودًا داخل الزنازين، وآخرين منهم مكثوا فيها قبل قدوم هذه القيادة في اتفاقيات السلام التي جرت مطلع تسعينيات القرن الماضي.

يعتبر ملف الأسرى الفلسطينيين واحد من ثلاثة ملفات كُلفت بها اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع محكمة الجنايات الدولية، والتي أسست بقرارٍ من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في شباط/فبراير 2015، ويُضاف إليه ملفيّ الاستيطان الإسرائيلي والحرب على قطاع غزّة، وبالنظر إلى عمل اللجنة والتحرك في المحكمة الدولية، لا يبدو أنّ الأمر تحرك خطوةً واحدة، رغم مرور أكثر من عامين على تشكيل اللجنة ومتابعة عملها، ورغم الحديث المطوّل والتهديدات العديدة التي تطلقها قيادة السلطة الفلسطينية بإحالة الملفات إلى المحكمة الدولية.

تعتبر هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية (جهة رسمية)، أحد أعضاء اللجنة الوطنية، وتقوم بدورٍ هامّ، بشكلٍ خاص فيما يتعلق بملف الأسرى الفلسطينيين داخل اللجنة، وهي توثّق من خلال طواقمها القانونية انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ المعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وهذه الانتهاكات متنوّعة، بينها ما يتعلق بطبيعة وكيفية الاعتقال، وما يتعرّض له المعتقل الفلسطيني من تعذيب ومعاملة سيئة أثناء الاعتقال، والأمر الذي شوهد بشكلٍ كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث خضع المئات من الأسرى للضرب والتنكيل والتعذيب قبل وبعد الاعتقال، وأثناء فترة التحقيق.

ويقول حسن عبد ربه، مسؤول الهيئة في الضفة الغربية، أنّها توثق كل ما تصل إليه من انتهاكات بحق الأسرى، ومن بينها “الانتهاكات بحق الأسرى بعد محاولات الإعدام الميداني، ومنها التعذيب والمساومة بالعلاج على أن يقدم لهم المعلومات والاعترافات”. إضافةً لتوثيق الهيئة “حالات الإهمال الطبي التي أدت لاستشهاد العديد من الأسرى داخل السجون وخارجها، وهي سياسة متعمّدة، يندرج ضمنها منع الأدوية عن الأسرى، ومنع الفحوصات الطبية، ومنع العلاج”.

جهّزت الهيئة الحقوقية العديد من الملفات التي تتضمن توثيقًا للاعتداءات بحق الأسرى والانتهاكات التي لا تزال متواصلة، وقدمتها للجنة الوطنية العليا للمتابعة مع محكمة الجنايات الدولية، وذلك في إطار تجهيز ملف الأسرى المفترض إحالته إلى المحكمة، فور صدور القرار اللازم.

ويُبيّن عبد ربه، خلال حديثه مع “بوابة الهدف”، أنّه تم إطلاع موفدي محكمة الجنايات الدولية على ملفات الانتهاكات بحق الأسرى قبل عامٍ من الآن من قبل هيئة شؤون الأسرى وجهات حقوقية أخرى معنية بقضية الأسرى، أثناء زيارة الوفد للأردن.

المسؤول الحقوقي الفلسطيني، يشير إلى أنّ الأمر كله يتعلق بدور المحكمة، ومدى التحرّك من جانبها لفتح لتحقيق حول الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات المتعلقة بهم، قائلًا “إن الأمر لا يتعلق بمجرد الاستكشاف، الخطوات كلها تبدأ من طرف المحكمة، وفور تحرّكها ستُرسل لها كافة الملفات المتعلقة بقضية الأسرى الفلسطينيين”.

ولا يتمثل الدور الفلسطيني فقط في أن تُجهّز الملفات وتُجمع الانتهاكات بعد توثيقها، إذّ أنّ فتح التحقيق من الجانب القانوني، لا يتم إلا بطريقتين، الأولى من خلال تقديم شكوى من قبل أشخاص أو جهات غير رسمية –ليست دولة-، والأخرى من خلال إحالة الملفات بشكلٍ رسمي من إحدى الدول الأعضاء في المحكمة، وهي كفلسطين، التي حصلت على عضويتها مطلع  نيسان/إبريل 2015، بعد أعوامٍ من تقديم الطلب والمماطلة.

وحسبما علمت “الهدف”، فإنّ اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة، تقدمت بثلاث مذكّرات إلى المحكمة الدولية، تتعلق بملف الأسرى وملفيّ الاستيطان والحرب على غزّة، والمذكرة في هذه الحالة تعتبر “شكوى” ليس إلّا، ومن جهةً غير رسميّة.

ويقول محمد النحال، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الإسلاميّة بغزّة، وعضو اللجنة الوطنيّة، أنّ المحكمة استقبلت المذكرات التي قدمتها اللجنة، إلّا أنها لم تباشر التحقيق في الأمر، ذلك أنّ الأمر يتعلق بمدى الأهمية التي تراها المحكمة، ويقول “فالمحكمة تستقبل الشكاوي وينظر فيها مكتب المدعي العام، الذي يقيس مدى خطورة الأمر وارتقائه إلى جرائم ضد الإنسانيّة أم لا، ويقرّر بناءً على ذلك فتح تحقيق أم لا”.

ويرى النحال أنّه من الضروري أن ترسل فلسطين –بصفتها عضو في المحكمة-، الملفات، وتقوم بإحالتها سريعًا، ما سيدفع المحكمة إلى فتح التحقيق بشكلٍ فوري بالأمر، وفي هذه الحالة لن يكون أمام مكتب المدعي العام مجالٌ للتقرير بإمكانية أن يتعلق الأمر بخطورة أم لا ليفتح التحقيق، فالإرسال بهذه الحالة يتم من جهة دولة عضو بالمحكمة، ويُلزم المكتب بفتح التحقيق، بغضّ النظر عن نتائجه.

القيادة الفلسطينية التي لطالما هدّدت باللجوء إلى المحكمة الدولية، لا تستخدم الأمر إلّا كنوع من الخطابات الرنانة، إما لتهديد إسرائيل، والذي لا يعود عليها بأيّ نفع، إذ تتعرّض لضغوط أكبر من هذه التهديدات، وإما لإشغال مناصريها وإيهامهم أنها تخوض حربًا على الساحة الدولية، حرب دبلوماسيّة وسياسيّة –حسب وصفها-، فهي حتى اللحظة لم تقدم أيّ ملفٍ للمحكمة الدولية، وتؤجله قبل كلّ محاولة للإحالة.

ويُبيّن النحال أنّ اللجنة الوطنية كانت قد قرّرت أكثر من مرة ضرورة إحالة الملفات إلى المحكمة، إلّا أنّ القرارات كانت تتوقف عند اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي كان آخر قرارتها أن يُؤجل الأمر إلى ما بعد مؤتمر باريس، الذي عُقد في كانون ثاني/ يناير الماضي، وبعد مُضيّ ثلاثة أشهر على المؤتمر، لم يتم أيّ تحرك من جهة المنظمة التي بقيت تماطل حتى هذه اللحظة.

الأمر نفسه الذي أكدته عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار، وهي أحد أعضاء اللجنة أيضًا، حيث أجلت تنفيذية المنظمة القرار لما بعد السابع من يناير الماضي، وتقدمت اللجنة مرةً أخرى بطلب الإحالة، إلّا أنّ القرار بقي معلقًا حتى الآن لدى القيادة المتنفذة في المنظمة.

ويظهر في أمر إحالة الملفات إلى المحكمة، أنّ الجوانب القانونية قد اكتملت من كافة أسسها، فاللجنة قامت بعملها الكامل منذ تأسيسها قبل عامين، وجمعت الانتهاكات التي تعتبر مخالفةً قانونية، وما يتعلق بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانيّة، وهي تمثلت في ثلاثة ملفات (الأسرى، الاستيطان، والحرب على غزّة)، ولا يبدو هناك أيّ قصورٍ في هذه الملفات، كما لا يوجد في أمر الإحالة أيّة ثغرات قانونيّة.

والمؤكد أنّ الأمر يتعلق بقرار “سياسي” من القيادة الفلسطينية، وهذا ما تقوله جرار خلال حديثنا معها، مبينةً “اللجنة التنفيذية للمنظمة تماطل في إصدار أمر الإحالة بحجة أن يكون الظرف مناسب لرفع الملفات، والأمر هو في غالبه وجود ظرف سياسي، وكل ذلك يتعلق بالضغوطات التي تتعرض لها السلطة”.

وبالسؤال عن مدى وجود ضغوطات على القيادة السياسيّة، تقول أنّ “هذه القيادة تخضع للعديد من الضغوطات، وأصبحت رهينة لها، وهي ضغوطات سياسية دولية من عدة جهات”.

أعضاء اللجنة فكّروا مليًا بالانسحاب منها، إذ أنّ دورهم انتهى بعد تجميع الانتهاكات وتوثيقها، وتجهيز الملفات بشكلٍ كامل، فلم يتبقَ أيّ قصورٍ في الجوانب القانونيّة التي تؤهلها للإحالة للمحكمة.

هذا ما تبيّنه جرار، التي قالت “إذا لم تستجب القيادة المتنفذة، كان هناك اقتراح أن ننسحب من اللجنة، خصوصًا أننا أنجزنا الأمر المكلفين به بشكلٍ كامل، وهناك مماطلة من قبل القيادة السياسية المتنفذة”. وترى أنه من الممكن أن يكون هناك نوع من الضغط، يتمثل في “أن يخرج أعضاء اللجنة في مؤتمر صحفي ويعلنوا انسحابهم منها، نظرًا لأن عملهم انتهى”، ذلك كتعبير عن رفضهم للمماطلة المتواصلة.

وتدعو القيادية الفلسطينية إلى عدم التوقف عند قرار إحالة الملفات إلى المحكمة لفتح التحقيق، إنما يجب العمل الجاهد على إرسالها إلى جهات دولية أخرى، تعني بقضية الأسرى بشكلٍ خاص، ومن بينها لجنة الدفاع عن المعتقلين، ولجان أخرى تعني بالتعذيب، وجميعها تعمل على توثيق الحالة الفلسطينية، كما ضرورة إرسالها للمحاكم الدولية الأخرى.

وتضيف أنّ مجلس حقوق الإنسان طالما أصدر قراراتٍ تناصر القضية الفلسطينية، وتدعم قضية الأسرى بشكلٍ خاصّ، إلّا أنّ الولايات المتحدة التي تلعب دائمًا في الساحة الدولية لصالح إسرائيل، تتدخل في آخر لحظة وتمنع هذه القرارات، من خلال عدة ضغوطات، تتمثل أغلبها بوقف الدعم عن المؤسسة الدولية.

ولا ننسى، أنه مع مرور ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان، يدخل الأسرى الفلسطينيّون معركةً جديدة ضد مصلحة السجون الإسرائيلية، في خطوةٍ تتقدم بهم إلى الأمام، من داخل المعتقلات، فيما تبقى قيادتهم السياسيّة متوقفة مكانها منذ أعوامٍ طويلة، ولا يقتصر دورها إلّا على إلقاء الخطابات التهديدّية، دون اتخاذ أيّة خطوة تُحسب لها في الساحة الدولية، التي تقول أنها لا تزال تلعب فيها لصالح قضية الأسرى خاصّة، وقضية الشعب الفلسطيني عامّة.

ذلك بعدما تركت ساحةً أخرى، هي ساحة القتال المباشر مع آلة الحرب الإسرائيلية، التي لا تتوقف عن الضرب بالكل الفلسطيني، سواء أكان داخل سجونها أم خارجها، حتى خارج الأرض المحتلة، وفي أبعد بقاع العالم، كما حدث مع المحرر عمر النايف، والمحرر مازن فقها، الذين تركوا القيادة المتنفذة كما عرفوها، رهينةً للضغوطات الخارجية، السياسيّة والمالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى