الأخبارمقالات وآراء

العامل الصهيوني في أزمات المنطقة

عبد الحميد الشطلي _ خاص طريق القدس

فوجئ العديد من المراقبين بتراجع أمريكا عن تنفيذ الاتفاق المتفق عليه مع روسيا بشأن سورية، وذهبت التقديرات والتحليلات مذاهب شتى بتفسير وفهم خلفيات الموقف الأمريكي، فذهب البعض للقول أن خلافات في الإدارة هي السبب بعدم تنفيذ الاتفاق والبعض رجح وجود خلاف بين وزارة الدفاع البنتاغون والادارة بأنها السبب لعدم تنفيذ الاتفاق، وآخرين قالوا أن الأمريكيين لم يحققوا مكاسب كافية بالنسبة لحلفائهم فتراجعوا عن الاتفاق، وإن حجم التنازلات المقدمة من قبل أمريكا أكبر من أن تحتملها أمريكا. ولكن يبدو أن الحقيقة التي تقف وراء الموقف الأمريكي هي ضغط العامل الاقليمي المتمثل ب”إسرائيل”، فبعيد الاعلان عن الاتفاق، صمتت تل أبيب ليس من هول المفاجأة، بل بسبب الانزعاج من الموقف الأمريكي، فأطلقت مراكز ضغطها المختلفة«اللوبي» لدفع الادارة للتراجع عن الاتفاق، وردد أنصارها صراخ الكيان الموجه لأمريكا «هل تتركوننا لوحدنا في المواجهة»؟ وترددت أصداء هذه الصرخة في المؤسسات الأمريكية المختلفة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي الأمريكي والادارة، مما اقتضى وقف تنفيذ الاتفاق استجابة لمصالح “اسرائيل” ولحمايتها. فكانت الغارات الجوية الأمريكية على مواقع الجيش السوري في دير الزور، والتي اعتبرت أنها جاءت نتيجة خطأ، والحقيقة الصارخة والواضحة كل الوضوح، أنه فعل فاعل وبشكل مقصود، وليس فيه أدنى لبس، أو نتيجة خطأ بل لإفساد مناخ وفرص تنفيذ الاتفاق استجابة للمصالح الحيوية الاستراتيجية الأمريكية والتي تقف في طليعتها «اسرائيل» بمنطق أن “اسرائيل” وبقائها وحمايتها الهدف الاستراتيجي الأول لأمريكا في الشرق الأوسط بمعنى أنه تدمير سوريا وتمزيق وحدتها الجيوسياسية، وأضعاف مؤسسات الدولة فيها وفي مقدمتها الجيش العربي السوري هدف استراتيجي صهيوني أمريكي يحقق لكيان الاحتلال الأمن والأمان المطلوبين لبقائها وتسيدها في الاقليم.
إن الحرب الدولية الظالمة على سورية والشعب السوري هدفت للتخلص من دولة مركزية في محور المقاوم، كانت وما زالت وستبقى مع فلسطين وقضيتها وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة غير القابلة للنقض لأن تمزيق ممكنات سورية ونسيجها الاجتماعي، يوفر أفضل الفرص لتل أبيب بالانفراد بالقضية الفلسطينية وفرض السياسات الصهيونية المختلفة التي قلبت ظهر المجن، لكل رهان على التسوية والممارسات “الإسرائيلية” اليومية تعطي الجواب القاطع على ذلك بدون أدنى لبس.
إن تحريك حرب الجبهات العسكرية ضد سورية بما فيها الجبهة الجنوبية على وجه الخصوص تهدف إلى محاولة خلط الأوراق وصولاً لإحداث فقدان متجدد بالتوازنات العسكرية ومناطق النفوذ والسيطرة، بما يفرض تراجعات على خطوات التقدم الملموسة للجيش العربي السوري في الشمال وخاصة في حلب، وفي الوسط بريف حماه الشمالي، فربما تأتي الرياح بما يشتهي التحالف المعادي لسوريا.
إن اطلاق نفير الحرب والعمل العسكري ضد سورية، من أبواق صناع القرار في أمريكا، يهدف إلى استخدام الابتزاز السياسي والعسكري ضد سوريا بما يوقف اندفاعاتها الهجومية في أكثر من مكان، وبما يوفر فرصاً لاستعادة المبادرة لحلفاء أمريكا والكيان ومن لف لفهم على الأرض السورية، غير أن الدعم الروسي الواضح والصريح والمدرك لخلفيات وأبعاد المواقف الأمريكية، الغربية، والصهيونية وحلفائهم الاقليميين المختلفين عرب أو غيرهم، شكل مصده حقيقة في مواجهة كل تلك المحاولات فضلاً عن الدعم غير المحدود من قوى محور المقاومة، وقد انعكس ذلك في البعدين السياسي الدبلوماسي والعسكري.
ففي البداية شنت الدبلوماسية الروسية حملة اعلامية سياسية شاملة على خلفيات وأبعاد التراجع الأمريكي عن تنفيذ الاتفاق، وبينت بوضوح شديد أبعاد قيام لقوات الجوية للتحالف الدولي بقيادة أمريكا بضرب مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور، وفضحت عدم تنفيذ أمريكا لنقطة من أهم نقاط الاتفاق، إلا وهو فصل ما يسمى المعارضة المسلحة المعتدلة عن جبهة النصرة وداعش، والجانب الدبلوماسي، دعت لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن كشف فيها مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، أبعاد وخلفيات وأهداف النكوص الأمريكي عن تنفيذ الاتفاق.
إن الوقائع اليومية والأحداث المتلاحقة في الشرق الأوسط، تكشف اللثام عن السياسات الأمريكية المراوغة والتي تمارس سياسة الباب الدوار على كل الخيارات، إن كانت سياسية، دبلوماسية، أو عسكرية، بما يتطلب مراقبة الخيارات ارتباطا بتطورها على الأرض، لتأخذ أمريكا بالخيار الأفضل لخدمة أهدافها ومصالحها، وحلفائها أن فلسفة الخيارات المتعددة والمفتوحة، دأبت الادارة الأمريكية الخالية على استخدامها منذ بداية الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما، والتي ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة.
ان تلبد أجواء الاقليم بالغيوم متجدداً نتيجة طبيعة للسياسات الأمريكية والدول الغربية وحلفاءهم الاقليميين المختلفين وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، وليس واضحاً حتى الآن أن الأزمات المتفاقمة في الاقليم في طريقها للحل القريب، أن يكون في الأزمة السورية أو الليبية أو العراقية، ولا حتى اليمنية، ولن تتمكن الادارة الأمريكية الحالية بما تبقى لها من فترة زمنية قصيرة من تحريك أي من تلك الملفات، وهذا لا يعني أن آفاق الحلول السياسية قد أغلقت بدون عودة، لأن جزء هام من الدول الغربية، تستشعر المخاطر الجدية على أوضاعها السياسية، الاجتماعية بعد أزمة الهجرة إليها، وهي تعمل للوصول إلى حلول بما يقلص حجم المخاطر عليها.
وواضح أن المواقف الروسية الحازمة والاعلانات والتصريحات القوية الذاهبة لجهة أن روسيا لن تتزحزح قيد أنمله عن سياساتها باتجاه أزمات الاقليم خاصة سوريا على وجه التحديد، مع عزمها الراسخ على زيادة تواجدها ونفوذها السياسي، العسكري فيها، يكون كافياً لإعادة النظر من بعض أطراف الأزمة لمزيد من الدفع لجهة الحل السياسي.
ربما ينطبق القول الشعبي القائل، “اشتدي يا أزمة تنفرجي” على الأزمة السورية والتي وصلت عامها السادس من الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى