الأخبار

الطريق الثالث

بقلم: شموئيل روزنر – معاريف

يحب دونالد ترامب الابقاء على نوع من الغموض. يحب أن يبدو كمن يخفي ورقة في كمه. فلعله اعتاد التصرف هكذا حين كان رجل اعمال، ولعله يعتقد أنه لا يزال هناك من يصدق هذا العرض. ولكن من الصعب التصديق: ففي مقابلة قبل بضعة ايام، حين رفض أن يقول ما الذي سيفعله في الاسبوع القادم بالنسبة لاعادة المصادقة على الاتفاق النووي مع ايران، كان يمكن الافتراض بأنه يبقي عامل المفاجأة – أو لنفترض أنه ببساطة لا يزال لا يعرف ماذا سيفعل. ترامب لم يقرر بعد، والمستشارون من حوله لا يزالون يتنازعون فيما بينهم على مسألة ما هو الامر السليم عمله. التقارير الغامضة، بل والمتضاربة احيانا، عن نواياه، ليست نتيجة خطوة تمويه ذكية، بل هي النتيجة الطبيعية لادارة مشوشة. من يسرب هو الذي يقرر النبرة. من يلتقي مع الرئيس في ذاك اليوم يقرر الاتجاه.

عن وضع الاتفاق مع ايران – الذي وقعت عليه الولايات المتحدة في عهد الرئيس براك اوباما – يحتاج الرئيس الى ابلاغ الكونغرس مرة كل تسعين يوما. هذا ليس جزء من الاتفاق، هذا ما يطلبه الكونغرس من الرئيس. وعليه، ففي الاسبوع القادم سيكون ترامب مطالبا مرة اخرى برفع التقرير. هل ايران تلتزم بشروط الاتفاق؟ كل باقي الدول الموقعة على الاتفاق تعتقد أن نعم، ايران تلتزم. وحتى الهيئات الدولية التي تعنى بالرقابة والاشراف على المواضيع النووية تعتقد ذلك. فاذا كان ترامب يفكر بشكل مختلف، فهو الوحيد الذي يفكر هكذا من بين ذوي الصلة المباشرة بالاتفاق. وفي واقع الحال، يمكن الافتراض بأن هو ايضا لا يعتقد ذلك. واذا كان ثمة مشكلة، فهي لا تتمثل في مسألة هل تلتزم ايران بالاتفاق (ويبدو أن نعم)، بل بحقيقة أن الاتفاق عليل من أساسه؛ في واقع الحال المشكلة هي هذه بالضبط: أن ايران تلتزم بالاتفاق ولهذا فانها تتقدم نحو تحقيق اهدافها بعيدة المدى بلا معيق.

بين المعقول وغير المعقول

ترامب خائب الأمل من هذا الاتفاق. فقد اقتنع بأنه ليس اتفاقا جيدا. ولكن خيبة أمله ليست خطة عمل. وليس مؤكدا أن للرئيس، مشغول البال بمشاكل كثيرة تتنافس على جدول اعماله، خطة عمل. فما هي الامكانيات التي لديه؟ في الاسبوع القادم سيكون بوسعه أن يقوم بواحد من امور ثلاثة.

الاول – أن يعلن، للمرة الثالثة في ولايته، ومثلما فعل الرئيس اوباما قبله منذ أن وقع على الاتفاق، بأن ايران تلتزم بشروط الاتفاق، وأن لا تغيير في السياسة. في مثل هذه الحال، فان شيئا لن يحصل. لقد سبق لترامب أن ألمح في المرة السابقة ايضا بأنه متردد، ومع ذلك فقد صادق. وهو يلمح في هذه المرة ايضا، ولكن لعله مرة اخرى سيقرر المصادقة. العد التراكمي – من واحد وحتى تسعين – يبدأ من جديد حتى التردد التالي.

امكانية اخرى لدى الرئيس هي أن يعلن الانسحاب من الاتفاق. هذه امكانية غير معقولة، هناك شك كبير في أن تتحقق الاسبوع القادم. ولكن اذا ما تحققت مع ذلك، فستنتقل الكرة الى الكونغرس الذي كان، لمن نسي، شكاكا جدا بالنسبة للاتفاق. ولم ينجح الرئيس اوباما في تجنيد اغلبية من المؤيدين للاتفاق في مجلس الشيوخ. كل ما نجح فيه هو تجنيد أقلية كبيرة بما يكفي لابقاء حق الفيتو لنفسه، وهكذا استبعد امكانية البحث والتصويت في الكونغرس. غير أن هذه المرة، فان الأقلية الديمقراطية المعنية بالابقاء على الاتفاق لا يمكنها أن تمنع الاغلبية من استئناف العقوبات. فحسب القانون الذي يلزم الرئيس برفع التقرير الى الكونغرس، فان ما سيحصل في الاسبوع القادم – اذا ما أعلن ترامب بأن ايران لا تلتزم بالاتفاق – هو اعادة فتح سباق متجدد، سريع وقصير المدى، لاستئناف العقوبات. للكونغرس نافذة ستين يوم يمكنه فيها أن يستأنف العقوبات بموافقة اغلبية كبيرة دون امكانية الاعاقة البرلمانية، ودون امكانية أن تتمكن الأقلية من منع الاغلبية.

الامكانية الثالثة – المعقولة – هي امكانية وسطى معناها ليس واضحا تماما، ومنوط بالاتفاقات التي ستتحقق في الايام القريبة القادمة. هذه هي الامكانية التي من اجلها التقى مستشار الامن القومي، ماك ماستر، مع مجموعة من المشرعين من الحزب الديمقراطي. هذه الامكانية التي تجري حولها المحادثات من خلف الكواليس، وهي أن يبقي الرئيس الاتفاق على حاله، وبالتوازي يعيد المصادقة على التزام ايران بالاتفاق، ولكن في كل الاحوال يطالب بتغييرات عليه بحيث يتضمن عناصر اضافية. وحسب هذا السيناريو، لن يسارع الكونغرس لفرض قيود جديدة على ايران، بل سيهدد فقط بعمل ذلك – ومرغوب فيه باسناد واسع قدر الامكان من المشرعين من الحزبين – اذا لم تغير ايران طريقها.

توجد فضائل الخيار الثالث في مرونتها النسبية. ففرض عقوبات جديدة معناه كسر الاتفاق. أما الولايات المتحدة، في هذه المرحلة، فلا تبدو معنية بكسر الاتفاق. ومن جهة اخرى، واضح للجميع بأن استمرار الوضع القائم يسمح لايران بحرية عمل ستؤدي بها في نهاية المطاف الى تحقيق اهدافها. أما الخيار الأوسط فسيعيد الكرة الى الملعب الايراني، وكذا الى ملعب باقي الدول الموقعة على الاتفاق. ستكون هذه نصف خطوة في اتجاه الازمة، ولكن ليس خطوة كاملة. اذا اقتنع الايرانيون بأن الولايات المتحدة جدية، فقد يوافقوا على اجراء تعديلات على الاتفاق. أما اذا اقتنعت الدول الاخرى بأن الولايات المتحدة جدية، فلعلها تقرر بأن تغيير الاتفاق أفضل من الرهان الذي نهايته المحتملة ستكون دراماتيكية.

حتى المشرعين الصقور جدا في الموضوع الايراني يبدون كمن يفضلون هذه الامكانية على امكانية الانسحاب المفاجيء من  الاتفاق من طرف واحد. السناتور من اركانزو، توم كوتون، هو واحد من النجوم الصاعدة للحزب الجمهوري، وهو صقر جدا في مسائل السياسة الخارجية، كما أنه يعتبر قريبا في آرائه من عصبة المستشارين المحيطين بترامب، رجال الجيش الذين اختارهم ليترأسوا وزارة الدفاع ومجلس الامن القومي. وكان كوتون ظهر الاسبوع الماضي في مجلس علاقات الخارجية والامن وقال إن “الكونغرس والرئيس، في عمل مشترك، يجب أن يعرضا الشكل الذي يتوجب فيه الاتفاق أن يتغير، وماذا ستكون النتائج بالنسبة لايران في حالة ألا يتغير الاتفاق”. وهذا أكثر من تلميح بأن هذا بالفعل ما يخطط الرئيس لعمله.

مشادة وحشية

على أي حال، يحتمل ألا يكون مفر للرئيس غير أن يعمل بالضبط هذا، لأنه ليس مؤكدا وجود ما يكفي من الاصوات في مجلس الشيوخ لفرض عقوبات جديدة وقاسية على ايران في غضون ستين يوما. السناتور جيف فليك من اريزونا، لا يؤيد على ما يبدو استئناف العقوبات. وكذا السناتور الهلبرتاني، راند بول، حذر الادارة منذ الآن من تفجير الاتفاق. وترامب، كعادته، ينجح في تعقيد حتى الامور غير المعقدة. هكذا فعل في نهاية الاسبوع عندما اختار الدخول في مشادة وحشية مع أحد السناتورات المؤثرين، بوب كوركر، من تنيسي والذي هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

منذ البداية، ليس كوركر من كبار المعجبين بترامب. ومشكوك أن يسمح للرئيس بالتقدم في اتجاه الضغط على ايران بالوتيرة التي تناسبه. أما الآن، بعد أن قال ترامب عن كوركر “إنه ليس شجاعا”، وكوركر قال عن ترامب إن من شأنه أن يقود امريكا “الى حرب عالمية ثالثة”، وترامب قال عن كوركر إنه أراد أن يكون وزير خارجية “ولكني قلت، لا شكرا”، وكوركر قال عن ترامب إن البيت الابيض بقيادته يدار مثل “نادي كبار السن” – بعد كل هذا من الصعب أن نرى الرئيس والسناتور يتعاونان في أي موضوع. وبلا هذا التعاون من رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ سيكون أصعب بكثير الدفع الى الأمام بجدول اعمال الرئيس.

في الخلفية يوجد الكثير من الضجيج. وزير الخارجية، ريكس تلرسون، لا يبدو أنه سعيد في منصبه. يحتمل أن يرغب ترامب في استبداله (ولجنة كوركر هي التي ستصادق على من سيحل محله). لقد بدأ الجمهوريون يخشون من هزيمة في انتخابات 2018. أما الديمقراطيون فيتحركون الى اليسار أكثر فأكثر. كوريا الشمالية هي مشكلة لا تقل الحاحا عن ايران، وهي الاخرى لم يتوفر لها حل. لترامب يوجد جدول اعمال طموح في مواضيع المخدرات، ولديه تسوية غير منتهية في موضوع الهجرة. ولديه تحقيق فوق الرأس. لديه حزب معظم مقترعيه يعتقدون بأن “على الولايات المتحدة أن تهتم أقل بالمشاكل خلف البحر” (54 في المئة من الجمهوريين)، بينما خصومهم، الديمقراطيون، ممن ساروا منذ وقت غير بعيد مع اوباما ومع جدول اعماله المتجه نحو الداخل، يعودون فجأة لأن يكونوا حزب محبي التدخل الدولي (54 في المئة منهم يقولون إن “الافضل لمستقبل الدولة هو التدخل في الشؤون العالمية”).

صحيح، لديه موعد نهائي الاسبوع القادم – إذ مرة اخرى تنتهي التسعين يوما. ولكن الموعد النهائي هذا هو مجرد عنصر واحد، والأقل أهمية، في علاقات امريكا مع ايران ومع الاتفاق النووي الذي وقعت عليه. أما العنصر الثاني، الأهم، فهو خطة العمل، تلك التي يمكن جمع التأييد لها ويمكن التمسك بها بتصميم يبعث على الثقة حتى في اوساط اصدقاء وخصوم الولايات المتحدة. أما اذا كانت توجد مثل هذه الخطة فسنعرف في الاسبوع القادم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى