الصهيونية (العربية) – وحتمية المواجهة
د. محمد البحيصي – رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية
ترسّخت الثقافة الأمريكية التي تُعد نسخة طبق الأصل من ثقافة البيض الأنجلو سكسون البروتستانت والذين هم في الأصل رعاع حاقدون على كل حضارات عصرهم وكل العصور، يحتكمون إلى عقيدة عنجهية (القاتل المقدّس)، وإلغاء الآخر، وعبادة الذات، وتقديس الجريمة، واحتلال أراضي الغير، والإبادة الجسدية، وهذه تغذّت من معين ثقافة نشأت الأجيال الأمريكية عليها جيلاً بعد جيل..
وفكرة القتل والإبادة بكل أنواعها من الجسدية إلى المعنوية والثقافية، كانت عنواناً لثقافة العلو الأوروبي _ الأمريكي المتمحور حول وهم مركزية حضارتهم ودونية الشعوب الأخرى، لذلك ذهبوا إلى الافتتان بأساليب قتل وتدمير الشعوب والمجتمعات التي تقع تحت سيطرتهم، حتى بات احتلال الأرض والسادية في القتل والاضطهاد والقهر مدخلاً للهدف البعيد (المحرقة الأخيرة للوجود) وسحق الشعوب وثقافاتها وتاريخها وتراثها، وهذا ما تلخّصه فكرة (هرمجدون) و (نهاية التاريخ) و (صدام الحضارات)، وكلّها من تجلّيات هذه الثقافة التي أسست نموذجها الأول في الولايات المتحدة أو (إسرائيل الأولى)، ومن ثمّ نموذجها الثاني في (الكيان الصهيوني) أو (إسرائيل الثانية).. وما بين (إسرائيل) الأولى والثانية من التماثل والتوحّد ما يجعلهما في النتيجة كياناً واحداً يتلخّص في الشر المطلق الذي عبّر عن ذاته من خلال طبيعة النشأة والوظيفة والأهداف والغايات، وهو ما كشفت عنه مواقف قادة المشروع الشيطاني تجاه كافة شعوب المعمورة، وعلى الخصوص تجاه الشعب والأرض الفلسطينية التي كانت مسرحاً لعمليات هذا المشروع، وجاءت قرارات الرئيس الأمريكي بخصوص القدس وما وراء القدس قاطعة كل قول يحاول تجميل الوجه الأمريكي القبيح، ومؤكّدة على طبيعة المشروع الصهيوني كظاهرة إفسادية مطلقة توسّعت في الآونة الأخيرة لتشمل كيانات وأنظمة عربية كانت تتخفّى بعباءات العروبة والإسلام، وإذا بها تسفر عن قبحها وشرّيتها من خلال انتسابها العلني لهذا المشروع، وصار لزاماً علينا كما كنا نتحدّث عن صهيونية مسيحية، وصهيونية يهودية، أن نتحدّث عن (صهيونية عربية) تنتسب زوراً للإسلام، ولعلّ هذا النوع من الصهيونية هو أشدّ أشكال الصهيونية خطورةً وفساداً بلحاظ الإمكانات والقدرة على الاختراق والتدليس والتضليل والتبعية الوجودية للصهيونية الأم، وهو ما يوجب رفع درجة الوعي والتأهّب والاستعداد للمواجهة الحتمية القادمة.