الشهيد نشأت ملحم ومحاولة الصهاينة تشويه قيم الشهادة..
من أهم ما يلفت المتابع للتطورات على صعيد المواجهات مع العدو الصهيوني الصورة التي قدمها الشاب نشأت ملحم من فلسطينيي عام 1948، الذي استطاع إرباك آلة العدو على مدى أسبوع ونيف، بعد عملية شارع “دزنغوف” في تل أبيب، حيث عملت كل أجهزته الأمنية على البحث عنه، لأنه مثل خطراً على كل سكان تل أبيب الصهاينة، وكانت ملاحقة العدو لنشأت ملحم مشفوعة بمجموعة من الأوامر الموجهة للمستوطنين لتجنب الحذر، وأخذ احتياطات الحيطة، فكان هذا الفدائي مثار قلق حقيقياً للتجمع الاستيطاني الصهيوني برمته، ولم يخفف من روع المستوطنين وقادة الاحتلال إلا استشهاد البطل نشأت ملحم، في معركة بطولية، وقد وصف أحد المعلقين ماقام به الشهيد بأنه “أوقف إسرائيل على قدم واحدة”.
وقد خطط المسؤولون في أجهزة أمن العدو ليكون هذا الاستشهاد درساً للمقاومين يحمل الاستفزاز والتشويه لمعنى الشهادة والبطولة، حيث سربت أجهزة دعاية العدو أن والد الشهيد هو من وشى به، وأعلم مخابرات الاحتلال بمكان وجوده، ليظهر للرأي العالم أن ما قام به الشهيد هو فعل مرذول منبوذ حتى من أهل نشأت ذاته، لكن المفاجأة التي لم يتوقعها العدو هي قيام ذوي الشهيد باستنكار اللعبة الاستخباراتية الصهيونية مثمنين الفعل البطولي الذي نفذه ابنهم ضد الاحتلال ومستوطنيه.
وبالتأكيد حاول الاحتلال تشويه مبدأ الشهادة لكي يأمن ضربات المقاومة، لكن هيهات أن يصل إلى ذلك لأن الشعب الفلسطيني تعود على خوض حروب الميدان بالتزامن مع الحروب النفسية التي ينفذها العدو للحط من معنويات المقاومين، وبالتالي ليس سهلاً أن يحقق العدو مأربه.
ومن المفارقات أن السلطة الفلسطينية امتنعت عن وصف البطل نشأت ملحم بالشهيد، وذلك خشية من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة اللذين يعتبران موقف ملحم الاستثنائي والبطولي عملاً إرهابياً.
نعم، ما اقترفته السلطة الفلسطينية تجاه الشهيد عملاً مرفوضاً، ولا يمكن أن يُقدم عليه أي وطني فلسطيني مهما كانت ظروفه، لأن الشهادة فعل يُوجب الاعتزاز والافتخار، وليس شراً يتم الهروب منه…. ويبدو أن موكب تشييع الشهداء الفخم والمهيب الذي جرى في الخليل إثر إفراج العدو عن جثامين الشهداء قد أرهب العدو الصهيوني، كما أرهب في الوقت ذاته بعض متنفذي السلطة الفلسطينية فعكفوا بشكل متزامن على شيطنة المقاومة والشهادة وتشويهها، لأنها تمثل الخطر الأكبر على مستقبلهما.
إن ما حدث للشهيد ملحم من إساءة للعمل البطولي الفذ الذي قام به يتطلب من كل الوطنيين الفلسطينيين والحاملين لمشروع المقاومة، التصدي لهذا العمل الخطير الذي يندرج في سياق التشويه الفكري والثقافي للمفاهيم الأصيلة واستبدالها بمفاهيم أخرى تخدم الأعداء والاحتلال، وهو ما يوجب التوجه لإعلاء قيم الشهادة والشهداء والاعتزاز بهم، واعتبارهم ثقافة وطنية لابد من تعميمها على صعيد فلسطين وبلدان الأمة.
نشأت ملحم يمثل النبض المقاوم في بلادنا، وهو عبر خروجه من الأراضي المحتلة عام 1948 يؤكد للقاصي والداني أن فلسطين الجغرافية والتاريخ عصية على التشويه والإلغاء، لأن فيها شعباً مقاوماً، يستند في نضاله المستمر إلى تراث أمة ما عرفت يوماً الانحناء أمام غازٍ أو معتد.