الرسالة غير الصحيحة
بقلم: د. ايلي كرمون – معاريف
الاستراتيجية التي تعمل عليها القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية في المواجهة مع ايران وحزب الله في الشمال – التهديد بـ “اعادة لبنان الى العصر الحجري” من خلال التدمير المكثف للبنى التحتية المدنية والتسبب باصابات كثيرة للسكان اللبنانيين – خطيرة بل وغير ناجعة برأيي. واضح لكل مراقب مهني في البلاد وفي الخارج بان الحرب في الشمال وتحقق تهديد حزب الله بالاطلاق نحو اسرائيل عشرات الاف الصواريخ بعيدة المدى، المتوسط والقصير، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة نحو اهداف استراتيجية، ستتسبب بدمير مكثف للبنى التحتية المدنية واصابات كثيرة، مئات وربما اكثر، بين مواطني اسرائيل.
ان الترسانة الهائلة من 100 – 120 الف صاروخ حرصت ايران، وسوريا في حينه، على نقلها الى حزب الله على مدى السنين – لم تأتي للدفاع عن لبنان، بل لخلق ذراع صاروخي ايراني قريب لاسرائيل لردعها من الهجوم على البنية التحتية النووية الايرانية أو السماح بسيطرة حزب الله على لبنان. من هذه الناحية، فان قيادة حزب الله هي جزء لا يتجزأ من النظام في طهران، في النظرة الايديولوجية والاستراتيجية حتى لو كان نشاط المنظمة، كذاك الذي في سوريا في السنوات الاخيرة، يعرض للخطر السكان اللبنانيين بشكل عام والشيعة بشكل خاص.
وعليه فان عملية عسكرية اسرائيلية تتسبب بتدمير البنى التحتية المدنية في لبنان وموت الاف المواطنين لا يفترض أن تردع ايران وقيادة المنظمة المتمسكين بهدف ابادة اسرائيل، حتى لو لم يكن في الجولة القريبة القادمة. وسيكون نظام آيات الله مستعدا لان يضحي حتى بآخر جندي من حزب الله، بالمواطنين اللبنانيين وبلبنان كدولة مستقلة على مذبح مصالحه الاستراتيجية العليا، وحسن نصرالله لن يتردد في العمل وفقا للاوامر الايرانية.
من جهة اخرى، فان تدمير الجيش الاسرائيلي للبنان سيتسبب بالكراهية ضد اسرائيل على مدى الاجيال، ليس فقط من الطائفة الشيعية، بل وايضا من السنة، المسيحيين والدروز؛ الطوائف التي يمكنها، في سيناريوهات معينة، ان تغير ميزان القوى داخل لبنان وازاحة حزب الله عن مواقع القوة التي يحتلها.
كما أنه لا شك بان الاسرة الدولية لن تقبل بعدم اهتمام السياسة الاسرائيلية وستضغط على اسرائيل لانهاء المعركة العسكرية، التي ستكون على أي حال قاسية ومرتبة، قبل تحقيق الحسم او الانجازات الهامة على الارض. وبعد وقف النار، فان الضغوط الدولية ضد خروقات القانون الدولي والاتهامات بالمذبحة وبقتل الشعب ستعزل مرة اخرى اسرائيل في هذه الساحة.
وعليه فيتعين على اسرائيل أن تردع ايران مباشرة من مغبة حرب الشمال المدمرة، وان لم تمنعها تماما، فعلى الاقل تمنع سيناريو الرعب لاطلاق الاف الصواريخ نحو اعماق اسرائيل. على التهديد العسكري ان يكون على مدن ايران، وعلى رأسها العاصمة طهران، التي ستدفع ثمن النار المكثفة للصواريخ التي لدى حزب الله على اسرائيل. على التهديد ان يكون يترافق وشرح شامل يتلقاه السكان الايرانيون عن كل الادوات التي تحت تصرف الدولة.
هناك مثال تاريخي يعزز هذا النهج الاستراتيجي. آية الله الخميني، الزعيم الاعلى الاول للجمهورية الاسلامية، قرر انهاء ثماني سنوات الحرب المضرجة بالدماء مع العراق في العام 1988، فقط بعد فشل هجماتها “النهائية” الكثيرة، ضعف اقتصاد الحرب وموجة القصف الفتاك لـ 520 صاروخ سكاد على العاصمة الايرانية وامكانية وقوع اصابات كثيرة اخرى. وكنتيجة للضحايا الكثيرة، فان نحو 30 في المئة من سكان العاصمة هجروها. فأعلن الخميني في حينه: “بائس انا إذ نجوت كي اشرب الكأس المسموم”.
الايرانيون حساسون جدا لعدد المصابين بين قواتهم المرابطة في سوريا، ولا سيما وحدات الحرس الثوري، ولهذا فانهم يفضلون ان يجندوا، يمولوا ويطلقوا الى هناك عشرات الالاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية. هام ايضا الاشارة الى ان الاضطرابات الشعبية التي وقعت مؤخرا في ايران اندلعت على خلفية الوضع الاقتصادي العسير في الدولة ودعوات المتظاهرين لوقف المساعدة الحربية لسوريا، لحزب الله وللحوثيين في اليمن.
في الساحة السياسية الاسرائيلية الوزير نفتالي بينيت وحده هو الذي تحدث مؤخرا في صالح “قتال ثابت ضد قوات القدس وايران. رأس التنين”، بهدف تقليص احتمالات الحرب، تقصير مدة المعركة اذا ما فرضت علينا والتوفير بحياة الناس. وتعزز الاحداث الاخيرة في الشمال فقط الحاجة الى تغيير استراتيجية اسرائيل في مواجهة التهديد الايراني. ومع ذلك، تجدر الاشارة الى أن حكومة اسرائيل عملت بشكل جيد في تحديد الخطوط الحمراء ضد التسلل الايراني الى سوريا والى لبنان وأثبتت بالافعال بانها تقف خلف تصريحاتها.