الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت… 4 آب جرحٌ غائر في خاصرة لبنان
عامٌ مضى على الانفجار الأكبر في تاريخ لبنان بل واحد من بين أكبر الانفجارات عالمياً، كما يقول الخبراء، ولا يزال الحدث يتفاعل في ذاكرة اللبنانيين الذين هزهّم انفجار 2750 طناً من نترات الأمونيوم المخزنة بشكلٍ مخالف لقواعد السلامة في أحد عنابر المرفأ منذ العام 2013.
في الرابع من آب/ أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص. تاريخ حفظه اللبنانيون جميعاً، فالانفجار هذه المرة وحّد مأساتهم وأورثهم غضباً جامحاً.
استشهاد 215 مواطناً وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، تضرر منازل 300 ألف شخص، تدمير جزء واسع من البنية التحتية في بيروت بما في ذلك مرفأ المدينة، كل ذلك صدم اللبنانيين وتسبب بسخطٍ شعبي من أداء السلطات والمسؤولين الذين لم يدن أي منهم بعد بتقصير أو إهمال لمسؤولية التصرف حيال الموت الكامن في شحنة النيترات المودعة في أهم مرفق حيوي في العاصمة.
هو انفجار خلّف أيضاً فراغاً حكومياً حيث استقالت حكومة الرئيس حسان دياب بعد أيام من الانفجار، أي في 10 آب/أغسطس الماضي، على وقع الأزمة التي “حدثت نتيجة الفساد المزمن في الدولة والإدارة”، وفق تعبير دياب، فيما عجزت القوى السياسية حتى الساعة عن تشكيل حكومة بديلة تعمل على تجنيب البلاد آثار الانهيار الاقتصادي الذي سرّعه الانفجار الذي قدّر البنك الدولي خسائره بـ8 مليارات دولار.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادراً، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع الكارثة.
لكن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وعد، أمس الثلاثاء، بظهور الحقيقة ونيل كل مذنب جزاءه، داعياً إلى ذهاب القضاء إلى النهاية في التحقيق والمحاكمات، و”أنا معه وإلى جانبه”.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فقال، إن “الجرح الوطني” الذي أحدثه انفجار المرفأ لن يلتئم “إلاّ بإحقاق الحق، وكشف الحقيقة كاملةً من دون زيادة أو نقصان”.
كما ودعا عدد من الأحزاب اللبنانية إلى تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين، حيث أكد حزب الله، في الذكرى، على ضرورة “تكاتف اللبنانيين وتماسكهم من أجل تجاوز المحنة الأليمة”، مطالباً بـ”العمل الجاد” من أجل الوصول إلى الحقيقة الكاملة.
التحقيق في القضية
وبعد نحو 5 أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق، أعلن القاضي طارق بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجّه كتاباً الى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن 3 نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية وادعى على قائد الجيش السابق جان قهوجي.
واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أمس الثلاثاء، السلطات اللبنانية “بانتهاك الحق بالحياة وجرم الإهمال بعدما أظهرت في تحقيق خاص تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم. كما اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات بأنها تعرقل “بوقاحة” مجرى التحقيق في الانفجار”.
تظاهرات في ذكرى الانفجار
ودعا أهالي الضحايا إلى مسيرات تنطلق اليوم الأربعاء عند الساعة الثالثة والنصف في اتجاه المرفأ، حيث ستتلى الصلوات.
وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق، أي لحظة وقوع الانفجار، ستُذاع أسماء ضحايا الانفجار.
بالتوازي، تنطلق من مناطق عدة في بيروت تظاهرات، ستلتقي قرب المرفأ قبل أن تتوجه إلى مجلس النواب، وسط حداد عام أعلنته الحكومة.
وخلال مؤتمر صحافي، يوم الاثنين الماضي، حدّد أهالي الضحايا مهلة 30 ساعة للمسؤولين لرفع الحصانات عن مسؤولين استدعاهم قاضي التحقيق طارق بيطار ليمثلوا أمام القضاء.
كما تنظّم أحزاب تحركات في العاصمة على أن تنضم إلى التحركات، عصر اليوم، مجموعات من الحراك، وسط إجراءات أمنية مشددة اتخذتها القوى الامنية لمنع استغلال الذكرى وحرف التحركات عن مسارها.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة، فينشر مستخدمون منذ أسابيع، صوراً لهم مع شعار “العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت”، أو دعوات للتعبئة من أجل المشاركة في التجمعات والتظاهرات، مع شعارات وهاشتاغات مختلفة “#بدنا_نحاسب”، “كلنا ضحايا، كلهم مسؤولون”، “ارفعوا_الحصانات_الآن”، “لن_ننسى”.
وتأتي ذكرى الانفجار في ظل تردي معيشة معظم اللبنانيين، حيث بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700% خلال عامين. وهي أمور فاقمت من الغضب الشعبي وشكلت منطلقاً لدعوات التظاهر الجارية.
ومنذ انفجار المرفأ، يقدّم المجتمع الدولي مساعدات مباشرة إلى اللبنانيين من دون المرور بمؤسسات الدولة. ويهدف المؤتمر الدولي إلى تأمين أكثر من 350 مليون دولار للاستجابة لحاجات السكان، وإن كان ذلك يبدو أقل مما يحتاجه البلد.