مقالات وآراء

التمساح الإسرائيلي والطيور الأوروبية: الموت البطيء لنتنياهو بدأ

قطّع التمساح بأسنانه الحادة فريسته، وعاد إلى مستنقعه. لكن بقايا وليمته استوطنت بين أضراسه. أصابه الوجع في نقطة ضعفه. لا يمكن إخراج لسانه من فمه، ومن يمكنه الدخول إلى فم التمساح لـ”ينكش” بين أسنانه الثمانين.

لم يجد التمساح، ولحكمة إلهية، سوى الطيور تساعده في هذه المهمة الخطرة. يفتح فمه، لتأتي النوارس والعصافير تنقر وتتمشى مختالة ضحوكة بين فكيّ تمساح موجوع لكن بطنه مليء بعد طحنه لضحيته، ربما كانت طائراً سار أمامه صدفة.

لو لم تنجز الطيور مهمة تنظيف أسنان التمساح، تدمع عيناه من الوجع وفي أحوال عدة تؤدي به إلى الموت. لذلك أطلق العرب عبارة “دموع التماسيح” على من يبكي وهو كاذب. فالتمساح لا يدمع إلا بعد التهامه طعامه المفترض من الأسماك أو الطيور والحشرات أو حتى الإنسان والحيوانات الضخمة، فدموعه سبب بقائه على قيد الحياة.

استطاع الأوروبيون، أخيراً، فضح دموع التمساح الإسرائيلي. خبروه فعرفوه ورفضوا بضائع المستوطنات. المسألة ليست انسانية بقدر ما هي سياسية. يريد الأوروبيون تنفيذ قوانينهم والضغط على بنيامين نتنياهو، للسير في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. تعجّب “بيبي”، أصدر قراره بتعليق دور الإتحاد الأوروبي في عملية السلام، ما يعني أن اللجنة الرباعية لفظت انفاسها الأخيرة.

يعرف نتنياهو، أنه لولا أوروبا ما قامت إسرائيل أصلاً. لكن دبلوماسية التمساح لا تقوم على إرضاء حتى الولايات المتحدة. الكلّ ينصاع لأفكاره ومطالبه ولو ناور قليلاً. فلا بأس أن يفتح نتنياهو، فمه بعد قتله الفلسطينين وتقطيع اوصالهم وحرقهم، إن أراد ذلك، ليهبّ الأوروبيون، يمسحون عرقه وزبده ويرضون خاطره و”ينكشون” أسنانه بتعويضات مالية ودعم سياسي وعسكري.

يستطيع التمساح البقاء 740 يوماً من دون طعام. لذلك يمكن لنتنياهو أن يتحمّل الخسائر الكبيرة لمدة ليست طويلة.  وبحسب تقرير لبنك إسرائيل المركزي، فان سيناريو مقاطعة أوروبا لإسرائيل بالكامل يعني ضرب الصادرات الإسرائيلية البالغ قيمتها 84.4 مليار شيكل (22 مليار دولار).

هكذا يهتز الناتج القومي العام لإسرائيل بحوالي 40.35 مليار شيكل، ويتم تسريح حوالى 36 ألف مستخدم

لكن في حال استمرار المقاطعة بشكل طوعي للمنتجات الإسرائيلية، أو تنفيذ وضع شارات على بضائع المستوطنات، فإن الضرر على الصادرات يقدر بـ1.7 مليار شيكل وتراجع الناتج القومي العام بحوالي نصف مليار شيكل وتسريح 435 عاملاً.

ترتفع الأرقام مع تصاعد المقاطعة، لأن أوروبا هي الشريك التجاري الأول لإسرائيل، في حين أن إسرائيل لا تحتل سوى المكان 28 في الترتيب الأوروبي للشراكة التجارية.

ولا تشكّل الواردات الأوروبية من إسرائيل إلاّ 0.7 في المئة، في حين أن الصادرات إليها أيضاً ليست سوى واحد في المئة.

وتصدّر إسرائيل لأوروبا 30 في المئة من صادراتها وتستورد 41 في المئة من وارداتها.

لن يجد التمساح من ينقذه، وينظف أسنانه، فالرواية الإسرائيلية لم تعد تقنع الطيور الأوروبية المسالمة وكذلك العقاب الأصلع الأميركي (شعار الولايات المتحدة)، أقلّه بوجود باراك اوباما، وجون كيري.

يواجه نتنياهو، جوارح فلسطينية، كشفت عن مخالبها وتغرسها في جلده القاسي. لم يُمزع هذا الجلد حتى الساعة لكن طعنات السكاكين والمقصات والمفاكات، ستجعل التمساح يموت على البطيء، ميدانياً.

أما سياسياً، فيتقوقع التمساح على نفسه في مستنقعه ومستوطناته. العقدة تشتد على حكومة اليمين، ودموع التمساح لن يكفكفها أحد باعتباره الإرهابي الأول حالياً، فوزيرة الخارجية السويدية، مارجوت والستروم، اتهمت اسرائيل بالوقوف بشكل غير مباشر وراء تفجيرات باريس الأخيرة بغض النظر عن هوية المنفذين.

ربما والستروم، يضربها التمساح بذيله فتلتحق بسلفها الراحلة انا ليندا غلنت، التي اغتيلت عام 2003 لمواقفها المناهضة لاسرائيل عقب تصريحات لها مماثلة اتهمت فيها اسرائيل بالتلاعب بالسلام والامن الدوليين .

يمكن لنتنياهو، أن يتحول إلى تمساح بلا أنياب، إن رضخ للقرارات الأوروبية والدولية. حينها يتحوّل إلى صورة على الملابس. وعندها يرجّح أن يسأل خبيراً في الأزياء، مثلما فعل لاعب التنس الفرنسي الشهير عام 1927 روني لاكوست.

فشعار شركة “لاكوست” الشهيرة صممّه لأول مرة روبير جورج، كأيقونة تزين ملابس لاكوست، الرياضية والاعتيادية. وحسب روني، فقد ولدت فكرة رمز التمساح أثناء مباريات  كأس ديفيز، عندما نذر عميد الفريق الفرنسي آنذاك أن يهدي لاعبه، روني، حقيبة فاخرة مصنوعة من جلد التمساح في حال فوزه باحدى المباريات المهمة. لكن نتنياهو، لم يفوز بأي مباراة سياسية أو عسكرية حتى الآن.

يستطيع التمساح أن يقطع حيواناً كبيراً بالإمساك به، ومن ثم الدوران بسرعة بشكل طولي في الماء و تقطيعه إلى قطع ليبتلعه بشكل اسرع.

لكن نتنياهو، لن يستطع تقطيع أوروبا، وسيدخل في جدال كبير من رجال أعماله والشركات الإسرائيلية وسيحاول إيجاد أسواق اخرى، وهنا الأولوية للتكلفة ومسار التصدير.

أما من الناحية السياسية سيحاول نتنياهو بقاء فمه مفتوحاً، مع بعض الآهات، كي تسمعه طيوراً أخرى ربما تنقذه، ويخشى أن تكون الطيور الجديدة عربية.

المصدر: الميادين – خاص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى