شؤون العدو

الانقسام في المجتمع الفلسطيني والتطبيع ليس نقمة

 

بقلم: رامي الحنان – يديعوت

مع ختام مؤتمر منتدى العائلات الثكلى الاسرائيلي الفلسطيني، الذي انعقد في بيت جالا قبل نحو شهر، سرنا مع حركات “مقاتلون للسلام” و”نقف معا”، كألف امرأة ورجل نحو مدخل قرية الولجة كي نعبر عن التضامن مع سكانها. فالقرية تعاني منذ سنين من هدم المنازل والاعتقالات والاصابات والحصار الذي تفرضه عليها اسرائيل من خلال جدار الفصل. عندما وصلنا الى مداخل القرية، ورغم التنسيق المسبق، انتظرتنا مجموعة من نشطاء “ضد التطبيع” الفلسطينيين ممن لم يوافقوا على دخولنا. فبدأ جدال كبير في اوساط الفلسطينيين أنفسهم، فيما وقف جنود الجيش الاسرائيلي والنشطاء الاسرائيليون جانبا وهم ينظرون بذهول. وفي نهاية المطاف تقرر أن في مثل هذا الوضع المتفجر ادارة الظهر والعودة الى الوراء.

هذه الخاتمة غير المتوقعة للحدث أثارت عاصفة: فقد شعر بعض من الاسرائيليين بالاهانة، فيما شعر آخرون بخيبة الأمل. ولكن ما حصل يجسد أكثر من أي شيء آخر كم ينقصنا، نحن في اسرائيل، الفهم والوعي للسياقات الداخلية في المجتمع الفلسطيني والتي تعمل ضد الاجراء الذي يسميه الفلسطينيون “التطبيع” مع اسرائيل.

منذ مسيرة اوسلو تابع المجتمع الفلسطيني في المناطق بقدر متزايد من النفور، لقاءات التعايش والحوار المتزايدة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. فبينما بدأ ممثلو الطرفين اللقاء في المقاهي في رام الله وفي تل ابيب، يسافرون معا الى المؤتمرات في خارج البلاد، يتعانقون ويتبادلون القبلات ويأكلون الحمص معا، في نهاية اليوم كان الفلسطينيون يعودون الى مخيمات اللاجئين التي يعيشون فيها والى الاحتلال المهين، بينما كان الاسرائيليون يعودون الى ديمقراطيتهم المريحة. هكذا حصل أنه في اوساط اجزاء واسعة من المجتمع الفلسطيني تعمق الاحساس في أنه بينما يتعانق هؤلاء ويتبادلون القبلات وكأن مظالم الماضي قد نسيت، على الارض نفسها، أخذ الوضع يحتدم فقط: عدد المستوطنين تضاعف، الحواجز، قيود الحركة، هدم المنازل، سلب الاراضي والقتل والاعتقال لمقاومي الاحتلال تزايدت. كل هذه خلقت حالة لا تطاق.

إن عدم الارتياح المتزايد من الواقع الذي لا يطاق وجد تعبيره في ظاهرة متزايدة من استخدام تعبير “التطبيع”. ففي الثقافة السياسية الفلسطينية يعبر هذا المفهوم عمليا عن المقاومة لكل عمل فلسطيني – اسرائيلي مشترك يخرج عن اطار الكفاح ويعتبر نوعا من التعاون مع الاحتلال. من ناحية فلسطينيين كثيرين يُعد الحوار العلني إياه مع الاسرائيليين استعراضا للتطبيع – وكأن الطرفين متساويان في قوتهما، والعدل ينقسم على نحو متساو بينهما. وعليه، فان كل تعاون وحوار بين الطرفين يشتبه بهما على الفور لدى الكثيرين كمحاولة للتطبيع ويصطدمان بمقاومة شديدة من اولئك الذين يحرصون في المجتمع الفلسطيني على منعهما – حتى بثمن مقاطعة نشطاء سلام اسرائيليين يسعون الى مساعدتهم.

من الصعب على الكثير من الاسرائيليين أن يسلموا بهذه المقاومة وهم لا يفهمون لماذا يرفض الفلسطينيون أيديهم الممدودة للسلام. وحتى لو كنا لا نستطيع أن نحاكم الخاضع للاحتلال من موقعنا الأعلى كحاكم، من المهم أن تستمر مساعي الكفاح المشترك ضد الاحتلال ومظالمه. محظور أن تثقل حادثة كالتي وضعت في بيت جالا على العمل المقدس لغرض المصالحة، أو أن تشكل ذريعة لأي منا للامتناع عن محاولة بناء الجسور الهامة جدا بين الشعبين. ومثلما نقف نحن احيانا أمام محافل في الحياة الاسرائيلية العامة ممن ينفرون من كل اتصال مع الفلسطينيين، هكذا ايضا على شركائنا الفلسطينيين أن يقفوا حيال النقد الحاد من محافل متطرفة تسعى الى الامتناع عن كل اتصال مع الاسرائيليين.

يجب محاولة فهم الواحد للآخر، احترام شركائنا الفلسطينيين الذين يقفون ببطولة في جبهة الكفاح حيال مجتمعهم، ومواصلة تعميق النشاط المشترك لاولئك الذين يعتقدون بأنه يمكن التعاون بالوسائل السلمية ضد الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى