شؤون العدو

اذا كان ثمن الاعتراف بالقدس سفك الدماء.. علينا القول لترامب إننا لا نريد هذا الجميل

 

بقلم: حيمي شليف – هآرتس

ظاهريا، القرار الامريكي للاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل و/ أو نقل السفارة الامريكية اليها، يشكل انجازا سياسيا كبيرا لحكومة اسرائيل. لأن هذا القرار يحطم الاجماع القائم منذ العام 1949، ودول العالم رفضت الاعلان الاسرائيلي عن القدس كعاصمة لدولة اسرائيل، ورفضت الاعتراف بها الى حين التوصل الى السلام. رغم أن التفاصيل الدقيقة للاعلان الذي يتوقع أن يعلنه ترامب اليوم فيما يتعلق بخطواته المقدسية غير واضحة بما يكفي، فان قراره من المتوقع أن يعزز سيطرة اسرائيل في القدس وتقليص احتمال تقسيمها من جديد في أي يوم.

السؤال هو بأي ثمن. القرار من شأنه أن يدفن الأمل الضعيف لحدوث انطلاقة في العملية السلمية. ويمكن لهذا القرار اشعال حريق محلي واقليمي يضر بالمصالح الامريكية والاسرائيلية في الشرق الاوسط. وهذا القرار سيمنح ايران الذريعة لاثارة وتحريض الرأي العام العربي ضد الزعماء العرب. وهذا القرار من شأنه أن يؤدي الى اندلاع اعمال عنف تضعضع مؤسسات السلطة، التي استثمرت الكثير في تطوير علاقاتها مع ترامب. هذا القرار من شأنه أن يسفك دماء الكثيرين.

يمكن الافتراض أن ترامب لم يسمع في أي يوم عن “اساس وجودنا”، وهو التعبير الذي اتخذه نتنياهو من اجل تبرير قراره احادي الجانب بفتح نفق الهيكل. 17 جندي اسرائيلي وحوالي 100 فلسطيني قتلوا في الاحتجاج الذي اندلع، ومكانة نتنياهو تضررت جدا. هذه الحادثة علمت نتنياهو درسا يحمله معه، أو على الأقل، حمله حتى الآن: لا تلعب مع القدس، فهي ستقوم بعضك في المقابل.

التغيير الخطير في السياسة الامريكية بالتأكيد سيمنح نتنياهو نقاط في الرأي العام الاسرائيلي، ولا سيما اليميني، وهذه هدية ليست بسيطة في الوقت الذي يهبط فيه في الاستطلاعات وهو متورط حتى عنقه في التحقيقات. في كل تناولهم لموضوع القدس، فان اسرائيليين كثيرين نظروا الى عدم الاعتراف بغربي القدس، على الاقل كاجحاف بارز. وليس مثل البراغماتية لحزب العمل الذي أيد ما يسمى طريقة دونم هنا ودونم هناك، فان اليمين التنقيحي كان عاشقا منذ الأزل للخطابات، التصريحات والهدايا وبوادر حسن النية الرمزية. الاقوال دائما كانت بالنسبة له جزء لا يتجزأ من الافعال، واحيانا حتى كانت تشكل البديل المرغوب فيه. ولكن الرأي العام متقلب. اذا اندلعت اعمال عنف وكلفت حياة بشر، فان مبادرة ترامب ومحاولة نتنياهو تشجيعها ربما تعمل ضدهم مثل البومرينغ. هناك حدود ربما، لعدد الضحايا الذي يمكن اعتباره مبررا مقابل تصريح في نهاية الامر لن يغير أي شيء.

إن رد معظم يهود الولايات المتحدة سيكون اكثر تعقيدا. من جهة، مؤيدو اسرائيل في الجالية اليهودية وضعوا القدس على رأس اولوياتهم، اكثر من المقبول لدى اخوتهم الاسرائيليين. بسبب هذا فان معظم المرشحين للرئاسة تعهدوا بنقل السفارة، رغم أنهم عرفوا كيفية التمييز بين البلاغة الكلامية المستخذية للحملة الانتخابية وبين ادارة سياسة خارجية عقلانية. ولكن يهود الولايات المتحدة ايضا يحتقرون ترامب أكثر من الاسرائيليين. وسيعانون الآن من التنافر المعرفي في محاولة للملاءمة بين تجسد حلمهم وبين حقيقة أن ترامب المكروه بالتحديد هو الذي مكن من ذلك.

اغلبية زعماء العالم يضغطون على ترامب من اجل الامتناع عن القيام بهذه الخطوة التي ستشعل المنطقة. فهم يخشون من أن تغيير الوضع الراهن في القدس يمكن أن يجبي ثمنا باهظا من المنطقة. الاصدقاء الجدد لترامب في الشرق الاوسط – على رأسهم الاردن والسعودية اللتان تعتبران أن لهما علاقة خاصة بالقدس، حذرتا ترامب أمس من التداعيات المتوقعة. اذا قرر تجاهل رأي هذه الدول والمضي قدما، فان لذلك سببين اساسيين.

السبب الاول هو أن ترامب خضع للضغط من قبل مؤيديه الافغنلستيين  وهو يدفع الثمن من اجل الحفاظ على ولائهم. هؤلاء يمكنهم الآن تصويره كأداة للخالق على الارض من اجل تبرير دعمهم للرئيس، الذي يمثل نقيض ما يدعون اليه. متبرعون كثيرون مثل شلدون ادلسون ساهموا بنصيبهم ايضا بالتأكيد، وبالمساعدة السخية لسفير اسرائيل لليمين الامريكي المهووس، رون ديرمر، ونظيره دافيد فريدمان، سفير المستوطنين في القدس.

السبب الثاني هو أن ترامب يتجاهل اشارات التحذير، خلافا لاغلبية السياسيين، وهو لا يرد بصورة جيدة على الادعاءات المنطقية والتبريرات المقنعة. وهو يستمتع باثارة المشاكل والتنكيل بالسياسيين المتعقلين، وفي هذه الحالة الدبلوماسيين المتعقلين، وهذه صفة سبق لها وأحدثت شرخ بين واشنطن وحلفائها المخلصين في غرب اوروبا. ومثل فضائح اخرى مرتبطة به، فان ترامب يثير ضجة في القدس، في الاساس لأنه يستطيع.

السيناريو المتفائل هو أنه بعد اخلالات محدودة للنظام فان النظام سيعود الى ما كان عليه وسيخرج نتنياهو وترامب من هذه القضية بضحكة متعجرفة تقول “لقد قلنا لكم”. السيناريو المتشائم هو أن الاعلان عن نقل السفارة الامريكية سيثير غضب الفلسطينيين الذي سيحرر الاحباط واسباب اخرى للغضب التي تراكمت في السنوات الاخيرة. وهكذا سيتم تمهيد الطريق لانتفاضة ثالثة، بكل ما يعنيه ذلك. إن تطور كهذا سيعرض للخطر استمرار حكم محمود عباس واستمرار بقاء السلطة الفلسطينية. السيناريو الاسوأ هو أن العنف سيمتد بتشجيع ايران ايضا الى العواصم العربية وسيمس بالانظمة المعتدلة كما يبدو، التي تعني ترامب جدا.

الرأي العام في اسرائيل يتوق الى الاعتراف بالقدس، لكن اذا كان الثمن هو اعمال دموية وعدم استقرار اقليمي وراديكالية فلسطينية ونجاح دعائي لايران، عندها الرد الصهيوني المناسب سيكون القول لترامب “لا تصنع لنا معروفا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى