“أبو وحيد” .. حكاية ستيني يزين خيمته بمكتبة جمعها من مكبّات النفايات في غزة
في ليلة شديدة البرودة، ومن بين خيوط الظلام الدامس، تسلل الستيني أبو وحيد بين حاويات القمامة في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، لجمع الأوراق والأخشاب المتناثرة، وذلك من أجل إشعالها على قارعة الطريق التي هي مأواه الوحيد منذ أكثر من عشرين سنة، لعلها تمنحه بعض الدفء في مكان نومه الذي يفترش فيه الأرض، ويلتحف فيه السماء.
ما إن جمع أبو وحيد الأوراق حتى غيّر نيته من حرقها إلى جمعها وترميمها، بعد أن اكتشف أن العديد منها كتب قيمة، فخلال قراءته لإحدى الأوراق التي هي إحدى بقايا رواية، نالت إعجابه بل وتأثر بما طبع فيها، مستمتعاً بكل سطر وقع نظره عليه.
هذه لمحة سريعة لتفاصيل قصة واقعية، باتت تتكرر أحداثها يومياً في شوارع مدينة غزة، فالرجل الذي فضل التعريف على نفسه بلقبه “أبو وحيد”، لكونه عاش وحيداً طوال حياته، حيث لم يتزوج، ولم يكن له من يسانده في عراكه اليومي مع صعوبات الحياة، فكانت قبلته النوم على أرصفة الشوارع، التي أخفت له سرّاً اكتشفه منذ عشر سنوات، وهي المدة التي قضاها في البحث عن الأوراق، وجمعها في كتب متنوعة.
“منصة الاستقلال الثقافية” التقت بجامع الكتب من مكبّات النفيات، حيث يستقر في شارع عمر المختار، بعد أن كان مراسلها لمحه ذات مساء يجمع الأوراق ويلصقها.
اقتربت منه، وما إن حاولت تلقف واحد من كتبه، حتى بادر مازحاً “احرص على الكتب من التمزيق، فقد جمعتها، وألصقتها، حتى بت أعتبرها أطفالي الذين أنجبتهم وأرعاهم، خاصة أنها تتكاثر يوماً بعد يوم”.
يقول الرجل الذي بلا مأوى، سارداً جزءاً من تفاصيل حياته، وهو يتوسط مجموعة من الكتب التي جمعها بيده: منذ العام 2008 وأنا أنام في الشوارع، وذلك بعد أن هدم منزلنا إثر قصف لقوات الاحتلال غيّب أقارب لي كما المنزل، فلم أجد بديلاً إلا قارعة الطريق .. في الليل أنام بين الأزقة وجدران المحلات والمنازل، وفي النهار كنت أتجول لأبحث عن أي مصدر دخل .. أحياناً أعمل في نقل البضائع لعدد من أصحاب المحلات التجارية.